الجمعة , ديسمبر 5 2025

حاكم لا يرى، وشعب لا يُطفأ

حاكم لا يرى، وشعب لا يُطفأ

للكاتب/ فيصل الكثيري

لا أحد يفكر في الكهرباء حين تكون موجودة. هي أحد تلك الأشياء التي تشبه الكرامة: لا تُرى، لكنها تُحس، ولا تُطالب بها إلا إذا فُقدت. وحين يضطر الإنسان أن يترك بيته، ويصرخ في وجه سلطة لا تسمع، مطالبا بالنور… فاعلم أن الخلل ليس في الشبكة، بل في فكرة الدولة نفسها.

في المكلا، خرج الناس إلى الشارع يطالبون بالكهرباء. لا للبحث عن كماليات، إنما ليبقوا على قيد الحياة. خرجوا لأن الحياة بدون كهرباء لم تعد ممكنة، ولأن صمت الدولة صار أكثر ظلمة من انقطاع التيار نفسه.في أي دولة تحترم نفسها، لا يُفترض أن يطالب المواطن بالكهرباء، كما لا يُفترض أن يُطالب بالهواء والماء. هذه أساسيات لا تُمنَح، ولا تُنتزع، بل تُكفل ببديهة النظام.

لكن حين يفشل النظام، تنقلب البديهيات إلى مطالب، ويُصبح أبسط الحقوق معركة يومية.السؤال هنا ليس: لماذا يطالب الناس؟بل: لماذا احتُقروا إلى هذا الحدّ حتى اضطروا للمطالبة بما لا يُفترض المطالبة به أصلا؟السلطة في حضرموت لم تُفلس ماليا فقط، إنما أخلاقيا أيضا …عاجزة ..صامتة .. متردّدة … لا تفهم لغة المبادرة، ولا تدرك خطر الاحتقان.تدير الأزمة كما يدير الأحمق حريقا في ثوبه؛ لا يسارع إلى إطفائه، بل يتفرج عليه حتى يبلغه اللهب.أما الناس، فقد تم دفعهم دفعا إلى الشارع. لم تخرجهم رغبة في التصعيد ..إنما خيبة ممتدّة …البيت لا يُطاق، الدواء فاسد، الهواء خانق، وكل مؤسسات الدولة منشغلة بالتصريحات.

إن خروج الناس للمطالبة بالكهرباء لا يُعبّر عن احتقان لحظي، بل يكشف فشلا بنيويا طويل الأمد. فالدولة التي لا تملك خطة بديلة، ولا تقبل الاعتراف بالتقصير، ولا تنزل إلى الناس قبل أن يصعدوا هم إلى الشارع، هي دولة فقدت حسها الأخلاقي قبل أن تفقد إمكانياتها.والأخطر من هذا كله، أن يصبح الشعب معتادا على المهانة، وأن تُربّى الأجيال الجديدة على أن الكهرباء حلم، وأن الماء البارد استثناء، وأن الهدوء في البيت لا يحدث إلا إن اشتغلت المولدة الخاصة.

السلطة التي تفشل في ضمان الكهرباء، تفشل بالضرورة في كل شيء آخر.فالضوء ليس رفاهيّة، بل اختبار الحدّ الأدنى من جدوى الدولة.وحين تنطفئ المصابيح، تنكشف الأكاذيب.من يدير؟ من يهتم؟ من يتحرّك؟أسئلة لا تجد جوابا.والمأساة الأشد، أن الناس باتوا يُلامون على صراخهم، وكأنهم هم السبب، لا الضحية.المواطن لا يُطلب منه أن يفهم عجز الدولة، بل الدولة هي من تُحاسَب على عجزها عن فهم حاجات المواطن.ما يحدث في المكلا اليوم يجب ألا يُقرأ كحدث خدماتي، إنما علامة حضارية خطيرة على تآكل العقد الاجتماعي.فالدولة التي لا تضيء بيتا، لن تُنير طريقا.والحاكم الذي يعجز عن توليد الكهرباء، لن ينجح في توليد الأمل.

عن ادارة التحرير

شاهد أيضاً

التحكيم القبلي.. حين تغيب العدالة ويختنق صوت القضاء

التحكيم القبلي.. حين تغيب العدالة ويختنق صوت القضاء عند حصول نزاع بين أشخاص يلجأ الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *