المصالحة والمسامحة ، في ميزان العمل الوطني
مقال للأستاذ/ حسن بن منيباري الكثيري
عند ظهور شعار المصالحة والمسامحة ، ظننت كما ظن كثيرون غيري أنه مجرد مصطلح يقتصر في طرحه قياس مدى الوعي لدى شعب الجنوب ، ومدى احتفاظ الذاكرة بصور البشاعة والإجرام والعذاب الذي صبّ عليهم طيلة ربع قرن من الزمان إلا أن هذا الشعار ظلّ يظهر في كل بيان ويُطرح في كل مؤتمر كقضية مُسلّم بها ، وأمر مفروغ منه ، ممّا مكن من تلاشي حدة الرفض تحت بريق هذا الشعار الخادع .
الذين رفعوا هذا الشعار وروّجوا له هم أنفسهم الذين أذاقوا شعب الجنوب عظائم الويلات ثم باعوه لعصابات الجريمة للإجهاز على ماتبقى له من وعي وحس وإدراك، هم اليوم يقدمون أنفسهم كمنقذ لشعب الجنوب .
والسؤال الذي يطرح نفسه : من يسامح من ؟ .. ومن يتصالح مع من ؟.
فمن البديهي أن طرح مبدأ المصالحة والمسامحة يتم بين طرفين ، .. وفي واقعنا .. بين الجلاد والضحية . فالجلاد محدد ومعروف .. والضحية شعب مذل ، ووطن مدمر.
بين من تمت المصالحة والمسامحة، وأين ؟ .. تمت بين الجلادين وأنفسهم .. تمت في جمعية ردفان .. ماهي جمعية ردفان ؟ ومن هم مؤسسوها والقائمون عليها ؟ .. ومن تمثل في مصالحتها ومسامحتها ؟ ..
اللذين دمروا الجنوب أرضا وإنسانا، هم وراء جمعية ردفان ..وهم الذين وضعوا شعار المصالحة والمسامحة ، وروجّوا له، للمكر بشعب الجنوب المغيب قبل هذا التاريخ وخداعه وتضليله ليتناسى ما فعلوه به.
فيمتصوا رفضه، ويمرروا قبوله، وهذا لغالبية شعب حضرموت مرفوض تماما ، فقد شبّ عن الطوق ووعى الدرس (فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ).
ومثل هؤلاء وشعار مصالحتهم ومسامحتهم ، وجمعية ردفان .. كالمثل التالي :
يروى أن الخليفة هارون الرشيد كان يركب (الحراقة .. مركب نهري ) بين فينة وأخرى ويجوب ضفاف نهر دجلة ، وكلما مر بقرية أو بلدة يخرج أهلها ويقفون على ضفاف النهر فإذا دنى منهم مركب الخليفة ، لوحوا بأيديهم ورفعوا أصواتهم مشيدين بقاضي بلدتهم: نِعَم القاضي قاضينا – قاضي عدل وإنصاف – قاضي خير ونزاهة) .. وفي جولة من تلك الجولات .. مر مركب الخليفة أمام بلدة فإذا برجل واحد يقف على الضفة ولايوجد غيره، يهتف بأعلى صوته بحماس منقطع النظير : يردد .. نعم القاضي قاضينا .. إلخ
فالتفت الخليفة إلى كبير القضاة أبو يوسف القاضي وكان بجواره .. وخاطبه : يا أبا يوسف بئس هذا القاضي في هذه البلدة ، إذ لا يثني عليه سوى رجل واحد .. فانفجر أبويوسف ضاحكا حتى صار يسعل ثم وضع كمه في فمه ، فتعجب الخليفة من انفجار كبير القضاة بهذا الشكل ، وسأله : يا أبا يوسف مما تضحك بهذا الشكل ومالذي أصابك ؟ .. فتوقف أبويوسف عن الضحك وهو يمسح عيناه من الدموع المتدفقة .. ثم قال : يا أمير المؤمنين .. ما أضحكني أن القاضي هو الذي يمدح نفسه ، إذ رفض أهل البلدة أن يمدحوه .. فانفجر الخليفة ضاحكا .. ثم أمر أبا يوسف بعزله فورا .
فهذه مثل تلك، فلما لم يجد هؤلاء الناس من يسامحهم .. سامحوا أنفسهم عن طريق جمعية
ردفان .. فهل انطلى هذا الزيف على شعب الجنوب فتراكضوا لاهثين وراء هذا السراب..!
أما آن لشعب الجنوب أن يستيقظ ، فيقوم بما قام به الخليفة من عزل ذلك القاضي الأخرق
فيقومون برفض أولئك الجلادين أصحاب الرؤوس الفارغة .. لعلهم يرعوو ويتوقفوا عن المتاجرة بقضية الجنوب ومصير شعبه ، ويتركوا أبناء الجنوب يناضلون لاستعادة وطنهم المسلوب وحقهم في حياة حرة كريمة.
فهل سيستيقظ شعب الجنوب ويهب هبة جادة ويقف وقفة رجل واحد… . محطما حواجز التشرذم والفرقة ، فيستغل هذه الفرصة الثمينة .. موحدا كلمته، ومحددا هدفه، ومعلنا عزمه على تحقيق إرادته وإنقاذ وطنه ، بالسير الحثيث والعمل الجاد خلف قيادة جديدة (غير ملوثة) تملك الطهر والنزاهة ، والوعي والإدراك والفهم والصلاح ، والجنوب ليست عقيمة لا تملك بين رجالها وأبنائها من تتوفر فيهم تلك الصفات .. أم أن شعب الجنوب ( لا قدّر الله)
سيتدحرجون في مهاوي التشرذم والفرقة والاختلافات تتقاذفهم الأهواء والشعارات الخادعة والمطامع الخبيثة ، والمبادئ الهدامة .. حتى يسقطوا في الهاوية ..
قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلا تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعونَوَلا تَكونوا كَالَّذينَ قالوا سَمِعنا وَهُم لا يَسمَعونَ﴾
[الأنفال: ٢٠-٢١]
فإن لم يسمعوا ماذا تكون عاقبتهم التي سيصيرون إليها في هذه الحياة ! والنتيجة أن البلادة في عدم الاستجابة تتحول بهم إلى بهيمية .. وعجز وفشل عن إدراك الحق ، وهذه نتيجة طبيعية أن تجعل منهم البلادة : دواب بشرية .. وهذا المستوى المنحط من الوجود للقطعان البشرية لا يسمى حياة ، وإن زعم أصحابها أنهم أحياء .. يأكلون ويتمتعون ، ولذلك ينهاهم الحق تبارك وتعالى كما قوله تعالى:
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذينَ لا يَعقِلونَوَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ﴾
[الأنفال: ٢٢-٢٣]
ومع ذلك ما دام في الأجل فسحة فيجب اغتنامها : فيلبوا نداء الحق ، الذي يدعوهم إلى الحياة الطيبة
قال الله تعالى:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ﴾
ألا هل بلغت…