اختزال الوطن في القبائل كارثة
مقال بقلم الأستاذ/ عبدالعزيز بن مرضاح
حتما” كل منّا بكل تأكيد يفتخر بالنسب الذي ينتمي له أياً كان مرجعه، ولكن ما يلاحظ أن الكثير انزرع في تفكيره فکر معين عن القبيلة لربما يكون خطأ.
آلاف المواقع في السوشيال ميديا تدعو إلى الخطاب القبلي، أو بمعنی صح الافتخار بها، كل هذه الآلاف من المواقع تتغنى بالقبيلة على حساب نظرية “الوطن” الواحد، هناك فيه إحصائية غير رسمية إن مرتادي هذه المواقع يتجاوزون الألوف تقريبا خصوصا في الحائط الأزرق الفيس بوك، والتويتر ،واليوتيوب والانستقرام والواتساب..
“بمعنى” إن هذه المواقع بالذات التي تنشر عن القبيلة تعد من أكثر المواقع الجاذبة للناس، وبالذات ممن هم في سن الشباب إلى درجة أن معدلاتها تفوق معدلات المواقع الرياضية والفن والتسلية…..هنا يجب أن نتذكر أن أغلب دول الخليج تأسست تحت راية واحدة وهي راية الوطن، وقبل ذلك كانت الحروب بين القبائل تطحن الشباب وتدمر الأخضر واليابس في أنحاء الجزيرة العربية..
يقول الله – سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم ﴾، وقوله:﴿وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً واحِدَةً وَأَنا رَبُّكُم فَاتَّقونِ﴾
ويقول الرسول (ﷺ) : ( كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، ويقول الرسول«ﷺ» : ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) ، وهكذا فعلا أصبحت “الهوية” السياسية لمجتمع الخليج..
إن خطورة انتشار مثل هذه المواقع ، والخطورة ستكون أكبر إذا ترك هذا المد من الفضائيات ينتشر أكثر فأكثر دون التحرك نحو احتوائها وتصحيح مساراتها ورسالاتها ولاسيما أنه يشهد نوعا من التوسع بشكل يبعث على القلق الشديد.
والغريب أن المتحلقين حول القبيلة يقولون يجب الولاء أن يكون للقبيلة قبل أن يكون للوطن، المؤسف أن الانزلاق إلى القبيلة بدأ من محطات الشعر الشعبي حيث استخدم الشعر الشعبي في تمجيد الذات ومدح القبيلة مقابل ذم قبيلة أخرى، وغمز قبيلة أخرى على حساب القبائل وحتى تلتهب المشاعر أكثر ، وتفور النفوس على بعضها بعضا، أغدقت الريالات على المادحين للقبيلة لتشتعل القرائح وتنزف شعراً يفاخر بالقبيلة على حساب كل الوطن الذي يعد حبه من الإيمان.
يجب على الحكومة أن تأخذ هذه القضية مأخذ الجد، وتضع برامج جادة لإعادة هيكلة برامج الوحدة الوطنية ونشرها بين جميع أفراد الوطن في كل أنحاء اليمن، حيث بدأت تتسلل إلى مجتمعنا اليمني بعض النعرات العنصرية ، إن حرية التعبير لم تكن قط ضد المصالح العليا للوطن، وإذا كانت كذلك نؤكد إن المصلحة العليا للوطن تتقدم على حرية التعبير..
إن المطلوب فعلا من الحكومة والشرعية أن تهتم بمبدأ تكافؤ الفرص الوظيفية لكل اليمنيين على قدم المساواة ،، والابتعاد عن توزيع المناصب والوظائف على الأساس القبلي و”العرقي” والمحسوبية والمحاصصة، إن هذا ما يعد الشرارة الأولى التي أوقدت شعلة الاحتماء بالقبيلة والرجوع إليها بدل “الرجوع إلى الوطن..
كثيرة من المحاولات في مجتمعات اليمن لم تفلح في العثور على قبيلة تدعي انتسابها إليها.. إلا أن التوغل في البحث عن قبيلة أخذ يتسع شيئا فشيئا بين أطياف المجتمع حتى باتت وكأنها قضية من قضایا حق تقرير المصير. هناك كثير جدا من المحاولات التي نعرفها والتي لا نعرفها تؤكد أن الخطر يتهدد بالفعل الوحدة الوطنية..
“حقيقة” أن الاهتمام بالقبيلة في المجتمع اليمني بات للأسف الخيار الأول ، أما الاهتمام بالوحدة الوطنية يتراجع ليصبح الخيار الثاني وهذه مشكلة كبرى في الهوية السياسية اليمنية، وواضح مما سبق أن المعضلة ليست في “القبائل” التي تفاخر بعرقها وتغمز قبائل أخرى بأساليب مهينة وإنما تكمن المشكلة في معدل انتشار ، الخطاب الطائفي في أوساط المجتمع على حساب الخطاب الوطني الذي بدأ يتراجع في هوية “الوطن” بأكمله ولذلك يجب أن نقنع الجميع بأن الانتماء للوطن الواحد هو الخيار الأمثل في زمن التجمعات الكبرى بين دول الإقليم.
