يوم النكبة الحضرمية 17 سبتمبر 1967م ..
في أواخر أغسطس 1967م أوعزت الحكومة البريطانية إلى السلاطين الثلاثة (القعيطي الكثيري المهرى) بمغادرة حضرموت مؤقتآ لـبحث تقرير مصيرهم مع الهيئات الإقليمية والدولية في وقت كانت قد رتبت مسبقآ لتسليم إدارة البلد مؤقتآ إلى جيش البادية الحضرمي بموجب تفويض رسمي ومكتوب .
لكن الواقع أن تلك الخطوة لم تكن إلا مقدمة لتفريغ الساحة وتهيئة المشهد لسقوط السلطنة. فقد جرى في مطار الريان بالمكلا اتفاق خفي بين قيادات من جيش البادية الحضرمي وضباط بريطانيين كان الهدف منه تمهيد الطريق لتسليم المدينة للجبهة القومية وقد حضره المستشار السياسي البريطاني ( جيم ألس ) ونائبه ( كراوش ) مع قادة جيش البادية الحضرمي وهم ..
سالم عمر الجوهي (قائد الجيش )
حسين مسلم المنهالي (نائب أركان الحرب)
صالح سالم بن بريك (محاسب الجيش)
وأبلغوهم رسميآ بالتالي ..
الانسحاب النهائي لبريطانيا من حضرموت .
إلغاء كافة المعاهدات والاستشارات الموقعة مع السلاطين .
وتفويض كامل لهم لإدارة شؤون البلاد .
لكن ما حدث فعليآ كان مغايرآ تمامآ لما رسم على الورق .
مع انبلاج فجر يوم 17 سبتمبر 1967م كانت المكلا على موعد مع منعطف حاسم. الميناء الصغير الذي طالما استقبل السفن المحمّلة بالبضائع والتمور والأخشاب بدا في ذلك اليوم كئيبآ صامتآ على غير عادته وكأن البحر نفسه حبس أنفاسه .
وفي الأزقة الضيقة لحي البلاد كان الناس يتناقلون الأخبار همسآ .. الجبهة القومية دخلت المدينة .
بعض الوجوه ارتسمت عليها علامات الخوف من القادم المجهول وأخرى انقسمت بين مترقب ومرحّب .
الأطفال تسلّقوا النوافذ ليشاهدوا المواكب العسكرية التي جابت الشوارع، وأصوات الهتافات ترتفع معلنة انتهاء حقبة وبداية أخرى من مآدن مسجد السلطان عمر بالمكلا .
في تلك اللحظات كانت الباخرة ليلى ترسو قبالة الساحل تحمل على متنها السلاطين الثلاثة العائدين من السعودية. غير أن أبواب مدينتهم أوصدت في وجوههم صعد ممثلو الجبهة القومية ملثمين إلى السفينة بلهجة صارمة وتهديد واضح فأجبروا الباخرة على العودة لتترك خلفها حسرةً بحجم وطن .
لكن الحقيقة أن سقوط المكلا لم يكن وليد تلك الساعات بل كانت جذوره أعمق. فمنذ عام 1937م حين دخل المستشار البريطاني هارولد إنجرامس إلى حضرموت تغيّر ميزان القوة. لم يعد السلطان صاحب القرار المطلق بل بات المستشار البريطاني يحكم من وراء الستار او كما أشار اليه الدكتور صادق مكنون ( السلطان المتوج ) يزرع نفوذه في الإدارة والقبائل حتى هيمن على كل مفاصل الحياة. ومن يومها بدأ العد التنازلي للسلطنة القعيطية التي كان يظن الناس أنها عصية على الزوال .
كان يوم السابع عشر من سبتمبر يوم لا ينسى او يمحيه الزمن يوم أُغلقت فيه أبواب قصر السلطاني المعين و انزل منه صلاح مرسال علم و راية السلطنة القعيطية عندما وطأت اقدامه ساحته وارتفعت فيه رايات جديدة وبدأت معه رحلة حضرموت في دهاليز المجهول. ولا يزال صدى ذلك اليوم يتردد في ذاكرة الأجيال كجرس إنذار لماضٍ تبدد ومستقبل لم يتحقق بعد .
خفايا السقوط وشهادات من الداخل ..
مع مرور السنوات بدأت تتكشف بعض الخفايا عن ذلك اليوم المشؤوم الذي بكى عليه الحضارم حتى يومنا هذا. فقد كانت المؤامرات تحاك ضد السلطان من الداخل وروى بعض ممن عاصروا تلك الفترة ما لديهم بينما بقي كثير من الحقائق طي الكتمان .
شهادات ..
تحدث القائد بن عبدالمانع الذي كان مستشار في عهد المحافظ الخولاني في منتدى الخيصة الذي كانوا في صدد توثيق لتلك الأيام العصيبة في المكلا خاصة و حضرموت عامة فقال ..
أن عضوآ من الجبهة القومية كان ملثمآ (واتضح لاحقًا أنه سعيد العكبري) جاء للتفاهم مع القائد صالح بن سميدع في بيته ليكون سند لهم غير أن ابن سميدع رفض مطلبهم وأكد لا نريد فوضى واقتتال بالمكلا وهناك عدة جهات لها توجهات بالمكلا وليس الجبهة القومية وحدها فعليكم الجلوس مع الجميع .
نهب المقتنيات الثمينة ..

وفي منتدى الخيصة تحدث الأستاذ خالد محمد عبدالعزيز بحضور الدكتور صالح باصرة (رحمه الله) عن واقعة لافتة. فقد كانت في قصر السلطان مقتنيات ثمينة من مجوهرات ذهبية وأحجار كريمة أهداها له حكام وسباطنة ومهراجات من الهند. تلك الكنوز جرى حصرها وتسليمها إلى عبدالله البار الذي سلمها لاحقآ بـمحضر رسمي إلى عبدالفتاح إسماعيل لتختفي تمامآ من بعد ذلك. ويضيف باصرة متسائلآ ..
أين وثيقة التنازل التي تزعم الجبهة القومية أن السلطان وقّعها ؟؟
أظهروها إن كانت موجودة .
الدور البريطاني والإقليمي ..
وعلى الصعيد الإقليمي يورد فيصل النعيري شهادة مهمة إذ سافر اللورد البريطاني شاكلتون إلى السعودية وأبلغ الملك فيصل بن عبدالعزيز قائلاً ( لقد قررنا أن تكون حضرموت تابعة لعدن بعد انسحابنا ) فرد عليه الملك فيصل بحزم ليس أنتم من يقرر للحضارم، بل هم من يحدد مصيرهم ..
غير أن هذا الرد السعودي الذي حمل معنى عدم الرضا بما كان يُخطط له دفع شاكلتون إلى الإيعاز مباشرة لأعضاء الجبهة القومية بضرورة الإسراع في إسقاط المكلا لتكتمل بذلك فصول المؤامرة التي أنهت السلطنة القعيطية وأدخلت حضرموت في مرحلة جديدة من تاريخها .
هذا جزء بسيط من مشاهدات و توثيق ليوم 17 سبتمبر من الصباح الباكر حتى منتصف اليوم قد اعددته بشكل مطول فأختصرت هذه الاسطر فقط .
محمد عمر
صحيفة صوت حضرموت صوت حضرموت الغائب والمغيب عنك