المصير المشترك .. لماذا أصبح إخراج “الانتقالي” من الشرق اليمني ضرورة حتمية للرياض والشرعية؟
أمين بارفيد
19 ديسمبر 2025 – خاص لصحيفة صوت حضرموت
لم يعد التصعيد العسكري الذي قاده المجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر 2025 باجتياحه وادي حضرموت والمهرة مجرد “مناورة سياسية” لتعزيز شروط التفاوض، بل تحول إلى “تهديد وجودي” مزدوج؛ يضرب في الصميم مشروع الدولة اليمنية (الشرعية)، ويلامس بشكل خطير “العصب الحيوي” للأمن القومي السعودي. هذه اللحظة الحرجة خلقت حالة نادرة من تطابق المصالح بين الرياض والحكومة اليمنية، مفادها أن بقاء قوات الانتقالي في “المثلث الشرقي” (حضرموت، المهرة، شبوة) هو خط أحمر لا يمكن التعايش معه.
بالنسبة لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، فإن سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت لا تعني مجرد خسارة جغرافية، بل تعني عمليًا “تفريغ الدولة من مضمونها” وتحويل الشرعية إلى “سلطة منفية” بلا أرض ولا موارد، وذلك لسببين رئيسيين:
الخنق الاقتصادي: تضم حضرموت وشبوة أكثر من 80% من موارد اليمن النفطية والغازية. سيطرة فصيل مسلح ينادي بالانفصال (الانتقالي) على هذه الموارد تعني حرمان الخزينة العامة للدولة من شريانها الوحيد، ووضع الحكومة تحت رحمة “ابتزاز مالي” دائم، مما يقوض قدرتها على دفع الرواتب أو إدارة الخدمات، ويدفع نحو انهيار المؤسسات السيادية لصالح “سلطات الأمر الواقع” الميليشاوية.
تقويض الرمزية السيادية: يمثل “وادي حضرموت” آخر معاقل تواجد الدولة اليمنية بصيغتها الاتحادية. سقوط هذه المنطقة يعني نجاح الانتقالي في فرض مشروع “التشطير” بالقوة، مما ينسف المرجعيات الثلاث التي تستند إليها الشرعية، ويحوّل الصراع من “استعادة الدولة من الحوثي” إلى “صراع حدود بين كانتونات”، وهو ما يخدم الحوثيين استراتيجيًا عبر تفتيت خصومهم.
تنظر الرياض إلى تمدد الانتقالي الجنوبي نحو حدودها الشرقية والجنوبية بمنظور أمني بحت يتجاوز الخلافات السياسية اليمنية، حيث يمثل هذا التواجد تهديداً مباشراً لركيزتين أساسيتين في العقيدة الأمنية السعودية:
تهديد العمق الاستراتيجي: تُعد محافظتي حضرموت و المهرة مجالًا حيويًا للأمن الوطني السعودي. وسيطرة قوة محلية مسلحة مرتبطة بمشروع انفصالي ومدعومة خارجياً على هذه المناطق الحساسة يفرض معادلة نفوذ متوترة على التخوم الشرقية والجنوبية للمملكة، ويُقيد هامش الحركة الاستراتيجية السعودية في محيطها المباشر.
هشاشة الأمن الحدودي: تشترك السعودية بحدود طويلة ووعرة مع حضرموت. وجود قوات غير نظامية (ميليشيات) عقيدتها القتالية “مناطقية وانفصالية” بدلاً من قوات جيش وطني نظامي، يخلق بيئة خصبة للتهريب (سلاح ومخدرات) والفوضى الأمنية التي قد تتسرب إلى الداخل السعودي. لذا، من مصلحة الرياض بقاء “دولة يمنية” موحدة يمكن التفاهم معها، لا “دويلات ميليشياوية” متنازعة على سياجها الحدودي.
أمام هذه المخاطر، تلاقت رغبة “الشرعية” في استعادة هيبتها مع رغبة “السعودية” في تأمين حدودها، لتتشكل قناعة مشتركة بضرورة الإخراج الفوري والكامل لقوات الانتقالي من حضرموت والمهرة.
وتجلت هذه الشراكة في الدفع بقوات “درع الوطن” (المشكلة بقرار رئاسي يمني) لتكون البديل النظامي المقبول. فهي تحقق هدف الشرعية بكونها قوات “اتحادية” تأتمر بأمر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتحقق هدف السعودية بكونها قوات “موثوقة” قادرة على الإسهام في تأمين الحدود ومنع الانزلاق نحو الفوضى.
إن معركة إخراج الانتقالي من حضرموت والمهرة اليوم ليست خياراً ترفياً، بل ضرورة حتمية. فبالنسبة للشرعية، هي مسألة “أكون أو لا أكون” كدولة. وبالنسبة للسعودية، هي مسألة حماية “أمن قومي” ومنع تشكل أحزمة نفوذ غير منسجمة مع استقرارها على حدود الربع الخالي. لذلك، فإن الضغط العسكري (عبر الحشود في الوديعة) والسياسي (الإنذارات الأخيرة) يعكس قراراً استراتيجياً موحداً: لا مكان لمشاريع ما دون الدولة على هذه الحدود الحساسة.

صحيفة صوت حضرموت صوت حضرموت الغائب والمغيب عنك