إذا قررت حضرموت أن تستقل فهل يحق لها أن تعانق المملكة العربية السعودية؟
بقلم حَجيلان بن حَمد
سألني أكثر من صديق من أبناء حضرموت…
– بجدية تختلط فيها الذاكرة بالحلم –
هل يمكن لحضرموت إذا قررت الانفصال عن اليمن أن تنضم إلى المملكة العربية السعودية؟
هل يجيز القانون الدولي هذا الخيار؟
وهل تقبله التوازنات الإقليمية والواقع الجيوسياسي الجديد بعد حرب أعادت خلط التحالفات وتفكيك الهويات؟!!..
السؤال مشروع وعميق…
لكنه لا يُجاب عليه ( بنعم أو لا )…
بل يُفكك بالمنطق ويُبنى على القانون والمقارنات والنماذج المعاصرة…
يقول ماكيافيلي :
“الدول تُبنى بالسلاح لكنها لا تستمر إلا بالمشروعية”..
ويقول إدموند بيرك :
“الحرية لا تكون حقيقية إلا حين تأتي من الداخل لا من الخارج”..
بهاتين القاعدتين. ..
يُعاد التفكير في مصير حضرموت لا كملف انفصال أو ضم…
بل كسؤال : عن الشكل القانوني الشرعي للعلاقة الممكنة بينها وبين محيطها الطبيعي إذا ما قرر أهلها – لا سواهم – أن يعيدوا صياغة مستقبلهم بحرية وكرامة…
.. حضرموت ما بعد الحرب هل تصبح الامتداد الجنوبي الشرعي للمملكة العربيةالسعودية..؟
بعد عقد من النزاع اليمني الذي تحوّل من أزمة داخلية إلى ملعب مفتوح لصراعات إقليمية ودولية…
وبعد أن تآكلت الشرعيات وتكسرت الكيانات على جدار الفوضى..
تبرز حضرموت كمساحة استثنائية للفرز الجيوسياسي في جنوب الجزيرة العربية
ليُطرح السؤال الكبير في أروقة التحليل الاستراتيجي لا عن مستقبل اليمن الموحد
بل عن مستقبل الكيانات القادرة على النجاة وإعادة إنتاج السيادة…
حضرموت دولة قابلة للولادة.. بالتأكيد…
منذ عام 1967 لم تُعط حضرموت فرصة حقيقية لتقرير مصيرها….
اندمجت قسرًا ضمن مشروع الوحدة اليمنية دون اتفاق شعبي موثق دوليًا. .
واليوم وبعد أن أصبحت الأطراف اليمنية مرتهنة بالكامل لقرارات إقليمية ودولية
ومع ظهور الإرهاق الدولي من النزاع
تُعاد هندسة المنطقة وفق مبدأ.. :
“ما يصلح للبقاء يستحق السيادة”
حضرموت تستوفي جميع شروط الدولة الحديثة كما حددتها اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933¹
وتملك كل المؤهلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتأسيس كيان سيادي قادر على البقاء في نظام دولي مفتوح…
الخيارات القانونية والسياسية بعد الاستقلال :
إذا قررت حضرموت أن تسير في طريق الاستقلال القانوني الكامل..
فإن أمامها مجموعة واسعة من الخيارات المشروعة..
ولا يُختصر الأمر في خيار الانضمام الكلي لدولة مجاورة..
بل توجد بدائل قانونية وسيناريوهات متدرجة تحفظ السيادة وتُعزز الأمن والتكامل..
1. الاتحاد الطوعي السيادي :
كما فعلت جمهوريات البلطيق مثال واقعية :
(إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)
بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي
وقّعت مع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة تدريجية دون أن تتنازل عن سيادتها⁴
2. الشراكة الدفاعية والاقتصادية :
نموذج “سان مارينو” مع إيطاليا
دولة مستقلة تحتفظ بسيادتها كاملة لكنها تعتمد على إيطاليا دفاعيًا واقتصاديًا عبر اتفاقيات رسمية⁵..
3. نظام الحماية المتبادلة :
على غرار “أندورا” مع فرنسا وإسبانيا
دولة مستقلة تحتمي باتفاقيات خاصة دون المساس بمؤسساتها الوطنية⁶..
4. الحكم الذاتي الكامل ضمن اتحاد مرن :
مثل “جزر الفارو وغرينلاند” مع الدنمارك
احتفاظ كامل بالهوية السياسية المحلية ضمن ترتيبات اتحادية متوازنة⁷.
أمثلة معاصرة تؤكد مشروعية هذه البدائل :
جنوب السودان : حصل على الاستقلال عبر استفتاء شعبي قانوني تحت إشراف الأمم المتحدة 2011⁸.
كوسوفو : أعلنت استقلالها من جانب واحد 2008 وأكدت محكمة العدل الدولية مشروعية إعلانها دون الحاجة لموافقة صربيا⁹.
بوسنيا والهرسك : تشكّلت باتفاقيات دايتون كدولة مستقلة مع شراكات إقليمية دون انتقاص من السيادة¹⁰.
(( هذه النماذج تؤكد أن العالم لا يفرض نموذجًا قسريًا للسيادة بل يفتح آفاقًا متعددة أمام الشعوب التي تستوفي شروط الاستقلال القانوني ))..
لماذا قد تكون السعودية شريكًا طبيعيًا؟
العلاقة بين حضرموت والسعودية تمتد في جذور التاريخ
منذ أيام امرؤ القيس الكندي
ومن خلال موجات الهجرة العلمية والتجارية والدعوية
هذه العلاقة لم تُبْنَ على المصالح العابرة
بل على تمازج الهوية والمصير
المملكة العربية السعودية ليست قوة طامعة
بل الامتداد الطبيعي الأقرب حضاريًا ودينيًا وجغرافيًا
وإذا اختار شعب حضرموت بناء شراكة استراتيجية مع السعودية
فسيكون ذلك فعلًا سياديًا نابعًا من الإرادة الحرة لا من الضغوط أو الإملاءات..
أخيرًا :
السيادة لا تُنتزع
ولا تُمنح هبةً
إنما تُبنى بإرادة حرة راسخة
وحضرموت أمام فرصة تاريخية لا فقط لإعلان الاستقلال
بل لبناء دولة ذات سيادة واختيار تحالفاتها بكرامة..
والمملكة العربية السعودية – بحكم التاريخ والجغرافيا والقيم والدين والثقافة والروابط
– تظل الحليف الطبيعي الأقرب إذا شاء الحضرميون أن يعيدوا رسم مستقبلهم بثقةٍ وحكمةٍ ضمن الإطار القانوني الدولي السلمي…
الهوامش القانونية :
1. Montevideo Convention on the Rights and Duties of States 1933 Article 1
2. International Court of Justice Advisory Opinion on Kosovo 2010
3. United Nations General Assembly Resolution 2625 (XXV)
4. European Union Copenhagen Criteria 1993
5. Italy–San Marino Treaty on Mutual Cooperation 1991
6. Constitution of Andorra 1993 and bilateral arrangements
7. Danish Home Rule Act for Faroe Islands (1948) and Greenland (1979)
8. United Nations Mission in South Sudan (UNMISS) Referendum Report 2011
9. ICJ Advisory Opinion on Kosovo’s Unilateral Declaration of Independence 2010
10. General Framework Agreement for Peace in Bosnia and Herzegovina (Dayton Agreement 1995)
التنويه القانوني :
(( هذا المقال يقدم قراءة تحليلية وفق قواعد القانون الدولي المقارن واستعراضًا لأمثلة سيادية معاصرة دون الدعوة إلى أي إجراء سياسي أو قانوني من طرف ثالث
جميع الاتفاقيات والمراجع القانونية المذكورة في هذا المقال صادرة ومعتمدة حتى عام 2025 وفق ما هو منشور في سجلات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والممارسات المعترف بها دوليًا ..
والرؤية المطروحة تحترم مبادئ السيادة الوطنية لكل الدول المعنية وتعرض احتمالات مشروعة بناءً على الإرادة الحرة للشعوب ضمن الإطار القانوني الدولي السلمي ))…