حضرموت والتنمية .. الأسئلة الكبرى “2”
■مقال الكاتب/ فائز الصيعري
ونحن نتحدث عن حضرموت في نهاية الجزء الأول من مقالنا هذا ، أجبنا عن السؤال الكبير لماذا ننمي ؟
وفي هذا الجزء من المقال ، سنحاول الإجابة عن السؤال الكبير التالي : لمن ننمي ؟
وللإجابة على هذا السؤال حقيقة يجب أن تتحرك عجلة التنمية مباشرة نحو القضاء على الفقر في حضرموت ، ويتأتى ذلك بالقضاء على البطالة والأمية والمرض وسوء التغذية وعدم تكافؤ الفرص ، فالقضاء على ذلك كفيل بتحقيق التنمية لكل أبناء حضرموت .
لقد مرت على حضرموت 5 عقود ، حاولت فيها الأنظمة المتعاقبة عمل خطط خمسية للتنمية ، إلا أن عقود التنمية تلك قد أنتجت المزيد من عدم المساواة ، وتركت أكثر السكان كما هم دون تغيير ، بل ازداد الفقراء فقرا كما زادت الأغنياء غنى .!!
فقد كان المستفيدون الوحيدون من خطط التنمية الصفوة الحاكمة والطبقة اللصيقة بها فقط . فعندما يعطى المجال لهذه الطبقة اللصيقة بالصفوة الحاكمة بوضع خطط التنمية ، فلا غرابة إذن أن تسقط ثمارها في جيوبهم وهذا ماحدث .
بعد الصفوة الحاكمة والطبقة اللصيقة بها ، يأتي سكان المدن الكبرى كفئة مستفيدة من التنمية ، فأغلب المشاريع في مجالات التعليم والصحة والإسكان والطرق والنظافة والكهرباء والمياه لا تتم إلا في العاصمة والمدن الرئيسية ، بينما تكاد تنعدم في الأرياف والمناطق النائية ، والتي يظل أهلها محرومين من تلك الخدمات العامة .!!
فمثلا نجد أن عدد الجامعات والمعاهد والمستشفيات ومراكز الخدمات والمشاريع في مدينة كالمكلا مساحتها بضعة كيلومترات ، أكبر من عددها مجتمعة في كل مناطق حضرموت المترامية الأطراف .!!
وهذا يعني ببساطة أن فرص الاستفادة من التعليم والالتحاق بالوظائف العامة والانتفاع بالمرافق والخدمات ، للذين يقيمون في المكلا أفضل بكثير من فرص الذين يقيمون بعيدا عنها .
إلا أن هذه المزايا التي تتمتع بها المكلا كانت في النهاية سبب مأساتها .!
فقد أدّى ذلك إلى نزوح مئات الآلاف من أرياف وبوادي وشعاب حضرموت إلى المكلا ، بحثا عن العمل ، وللتمتع بهذه المغريات . ناهيك عن عودة آلاف المغتربين من مهاجرهم ، بالإضافة إلى النازحين إليها من المحافظات الأخرى .
كل ذلك شكّل عبئا كبيرا على المدينة وخدماتها ، أدّى إلى انهيار كثير منها كخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنظافة والطرق، فكثرت انقطاعات الكهرباء والماء ، وطفحت المجاري ، وتكدست القمامة ، وازدادت الاختناقات المرورية ، وارتفعت إيجارات الشقق ، وتضخم كل شيء ، حتى سيمت فيها الأراضي بأسعار خيالية فاقت أسعار الأراضي في مدن عالمية متقدمة .!
ولم تعد المكلا تتسع لكل هؤلاء الوافدين إليها بل أنها تكاد أن تضيق بأهلها .!
ولأن كثيرا من القادمين إليها من الأرياف ليسوا ممن تلقّى حظا وافرا من التعليم ، فقد وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها عاطلون عن العمل في مساكن بائسة ، يطالعون بأعينهم الثراء الفاحش حولهم من عمارات ومولات وفنادق دون أن يكون لهم فيه أدنى نصيب .
ولذلك فإن بعض تيارات الفوضى ، حاولت من وقت لآخر حشد هؤلاء الناقمين على كل ماهو حولهم خدمة لمشاريعها الفوضوية ، فهي في خطاباتها تدّعي زورا قربها من همومهم ومعاناتهم المستمرة ، وبقدر بعد السلطة ومن يدور في فلكها عن أمنياتهم وتطلعاتهم ، نجد أن الاحتجاجات كثيرا ماتندلع هناك ، ذلك أن من السهل تحريك من لا يملكون شيئا للإطاحة بمن يملكون كل شيء .
وفي ذلك مؤشر خطير على الفشل الذريع الذي منيت به خطط التنمية ، ولولا ذلك الفشل لما ترك مئات الآلاف قراهم وأريافهم ومزارعهم ليحولوا المكلا إلى قنبلة بشرية موقوتة .
يقول غازي القصيبي “إن أردتم الاستقرار فحولوا الأرياف إلى عواصم ، ولاتحولوا العواصم إلى أرياف” .
لذلك علينا أن ننمي لصالح السواد الأعظم من الحضارم ، ولتحقيق ذلك يجب علينا أن نزيل استئثار الصفوة الحاكمة ومن يدور في فلكها بثمار التنمية أولا ، وننهي احتكار سكان المدن للمزايا ثانيا ، وننتشل التنمية من بؤر الفساد ، وهذا ماهو إلا بداية الطريق نحو تنمية حقيقية .
المقال السابق(حضرموت والتنمية الأسئلة الكبرى”1″)