الثلاثاء , مايو 14 2024

حضرموت والتنمية .. الأسئلة الكبرى “1”

 

حضرموت والتنمية .. الأسئلة الكبرى “1”*

مقال للكاتب / فائز الصيعري

لقد أصبح من المقولات الشهيرة ، التي تجري مجرى الأمثال ” أن الإنسان هو جوهر التنمية ومحورها وهدفها ”

وبما أنه كذلك فلنعيد التنمية إلى جذورها الإنسانية ، ومانقصده هنا بالتنمية ، هو درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلد أو مجتمع ما .
وحتى نعرف حالنا مع التنمية ، فلنقارن أنفسنا بإحدى دول العالم الأول ، وماسيظهر لنا من فروق ، هو مانطلق عليه التنمية .

مواطننا الأول يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ، بولاية واشنطن ، على بحر ساليش والذي يطل على المحيط الهادىء ، وتشتهر باصطياد أسماك التونة .
ومواطننا الثاني يعيش في ساحل حضرموت ، الواقعة على بحر العرب والمحيط الهندي ، وتحديدا في مدينة الشحر ، لنرى كيف يعيش صديقنا الأمريكي ، ثم كيف يعيش نظيره الحضرمي .

يبلغ جوزيف الخامسة والأربعين من عمره ، ويمتلك قاربا متوسط الحجم ، مجهز بكافة وسائل الملاحة ، ومعدات الصيد الحديثة ، وبه ثلاجات تبريد كبيرة تحفظ حتى 20 طنا من السمك .
ويستفيد جوزيف من الدعم الذي توفره الحكومة باستمرار ، من توفير أجهزة الملاحة وكاشفات الأعماق والشباك ومعدات الصيد بكافة أنواعها ، كما يستفيد كذلك من الدورات والبرامج التي تقدمها الحكومة لخدمة الصيادين وتطوير أداءهم وإكسابهم مهارات ومعارف فنون الاصطياد .

يبيع جوزيف محصوله من الأسماك بالجملة إلى تجار بيع الأسماك ، في مراكز الإنزال المخصصة لذلك ، فينقلونه بحاويات مبردة مجهزة لهذا الغرض ، وبدورهم يبيعونه على شركات تغليف وتعليب الأسماك ، والتي تقوم بتصنيعه ثم تصديره .

يحصل جوزيف على سعر ممتاز ، نتيجة تدخل الدولة في تقليص الواردات ، وتحديد مواقع ومواسم الاصطياد كل عام ، وحماية الصيادين من تقلبات السوق ، وهنا نجد أن الدعم الحكومي والمعدات المتطورة والتسويق الفعّال بالإضافة إلى العمل الشاق ، تمكن جوزيف من الحصول على حوالي 50 ألف دولار سنويا .
بهذا الدخل يتمكن جوزيف وعائلته من التمتع بكل ضروريات الحياة وكمالياتها .

ماذا عن صديقنا الآخر الصياد الحضرمي ؟؟
يعيش سالم في ساحل حضرموت ، وفي مدينة الشحر تحديدا ، حيث تشتهر بأمهر صيادي التونة على طول الشريط الساحلي ، وقد ورث مهنة الصيد عن أبيه عن جده .
يمتلك سالم قاربا محليا صغير الحجم يدعى “هوري” بمحركين قوة الواحد 60 حصان .
وقد بدأ سالم أخيرا باستخدام بعض التقنيات ككاشف الأعماق وجهاز تحديد مواقع الأسماك وبعض معدات الصيد الحديثة كالطعوم الصناعية ، إلا أن هذه المعدات ليست في جودة المعدات التي يستخدمها زميله الأمريكي .
وصديقنا الحضرمي لا يستطيع استخدام معدات شبيهة بمعدات زميله الأمريكي ، إما لأنها باهظة الثمن أو لأنها غير موجودة أصلا ، أو لا تتوافق وقاربه الصغير . والنتيجة هو أن إنتاج سالم لايبلغ خُمس إنتاج جوزيف .
وليس هناك من خيار أمام سالم إلا بيع إنتاجه اليومي من الأسماك ، لمندوبي شركات تصنيع الأسماك أو بائعي الأسماك المحليين ، وبأسعار منخفضة جدا ، أو تلف الأسماك وهو مايحصل في أحايين كثيرة ، حيث لايوجد غيرهم يتحكم بأسعار السوق .!

وهكذا تتكالب عدة عوامل ، منها ضآلة الانتاج وارتفاع كلفته ، وانخفاض الأسعار وتلف الأسماك ، ليبقى سالم وعائلته في قبضة الفقر والحاجة .

حيث تعيش عائلته المكونة من 10 أشخاص على أقل من 3000 دولار في السنة .
ومع أن سالم يصطاد أسماك التونة الغنية بالقيمة الغذائية ، إلا أن القيمة الغذائية لطعام عائلته منخفضة جدا ، ولاتفي بمتطلبات الجسد اليومية .

وفي المدينة التي يعيش فيها سالم غالبا ماتنقطع الكهرباء ، وتعاني من أزمات في الماء والمحروقات والغاز المنزلي ولم يحظى أبناؤه بحظ كبير من التعليم . بينما المسؤولون عن قطاع الثروة السمكية في العاصمة ، يتمتعون هناك بكل الكماليات التي يتمتع بها جوزيف وعائلته في أمريكا .!!
فهم يمتلكون السيارات الفارهة ، والفلل العامرة ، ويذهب أولادهم إلى أفضل المدارس ، ويتمتعون بالخدمات الصحية الحديثة .

حيث أن إنتاج القطاع السمكي يشكل 3% من الدخل العام للدولة ، ويعتبر ثاني أكبر مصدر لإيرادات التصدير بعد النفط ، يُصرف جله لرواتب الموظفين ، وهي رواتب تفوق دخل سالم وزملائه في الشحر ، كما تمول منها المشاريع الكبيرة في المدن البعيدة عن الشحر وصياديها الفقراء .

أما سياسيا فيمثل جوزيف في واشنطن نائب متجاوب معه ومع مصالحه ومتطلباته .
ولدى النواب الذين يمثلون الولايات المنتجة من النفوذ السياسي مايمكنهم من إبقاء الدعم الحكومي للمنتجات البحرية وللبحوث العلمية والخدمات الميدانية المقدمة للصيادين ، رغم أنهم لايمثلون سوى جزء بسيط من المجتمع الأمريكي الصناعي .

أما سالم فلا يمتلك أي قدر من النفوذ السياسي ، ولايمثل مصالحه في العاصمة أحد . بالرغم أن غالبية السكان في المناطق الساحلية هم من صغار الصيادين مثل سالم ، إلا أن الأقلية التي تسكن المدن الرئيسية هي وحدها التي تحظى باهتمام الحكومة وتنعم بمواردها .
لذلك يبقى السؤال مطروحا ،
لماذا ننمي ؟ ننمي لأننا نريد أن يتمتع شخص مثل سالم بنفس الدخل والخدمات التي يتمتع بها أخ له في الانسانية هو جوزيف .
أما من يتحدثون عن التنمية والإنجازات العظيمة في مجتمعنا ، دون أن يحققوا لشخص مثل سالم ولو جزء يسير من التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، فإن مايفعلونه لاعلاقة له بالتنمية وإن ادعوا غير ذلك .

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

ثقافة البيضة والحجر

      ثقافة البيضة والحجر مقال / فائز الصيعري 6 مايو 2024م ” ويلٌ للعالَم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *