الجمعة , مايو 10 2024

لُمحة من تاريخ الأوبئة والطواعين والحمى في حضرموت.

تزخر كتب التواريخ الإسلامية القديمة بذكر الأوبئة والطواعين التي أصابت الناس, وقد يرد ذكرها في السنة التي بدأت فيها, وقد يرد ذكرها عَرَضًا في سبب وفاة مشهور من المشاهير بالطاعون.

وأيضا كتب البلدان والجغرافيا تذكر الأماكن التي اشتهرت بالحمى المزمنة والتي اعتاد أهلها عليها لكن الغريب إذا جاءها أصابته؛ لأنه غير معتاد عليها وربما قتلته, مثلما كان حال المدينة المنورة (يثرب) قبل الهجرة النبوية وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم انجلت عنها الحمى.

وحضرموت جزء من هذا التاريخ وهذه البلدان, وقد ذكر المؤرخون الحضرميون شيئا من ذلك, أَسُوق بعضه مما وجدته على سبيل المثال لا الاستقصاء فمن بحث في كتب التاريخ سيجد من ذلك الكثير.

وهذه الأوبئة بعضها ما يكون عامًّا للبلاد وبعضها يختص بقرية أو جهة محدودة:

سنة ٧٨٤هـ
(ومن «تاريخ باشراحيل» أنّه وقع وباء شديد في سنة (٧٨٤ه‍) مات منه خلق كثير بشبام، كان منهم: الشّيخ محمّد بن عبد الله باجمّال، والشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله باعبّاد، والشّيخ عبد الله ابن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد، والفقيه عمر بن عبد الله بامهرة، والفقيه أحمد بن أبي بكر حفص، والفقيه ابن مزروع، ودام ذلك الوباء نحوا من أربعة أشهر .. ثمّ زال).
[إدام القوت صفحة507].

سنة ٩٣٩هـ
(وفي هذا العام حصل في حضرموت فناء كثير, ولكن أكثره في النساء والصغار, قال باسنجلة: مات في شبام نحو أربعمئة نفس (400), وفي مور نحو ألف وخمسمئة (1500), إلا أن أكثرها نساء وصغار).
مور: بالميم، قال المحقق: هو وادي مور في تهامة. والله أعلم.
[السناء الباهر صفحة293].

سنة ١٠٣٨هـ
(انتشار الوباء بحضرموت.
وفيها ظهر الوباء الذي لا يكاد يتخلف منه أحد بحضرموت, وقيل لمن يروم الحياة هيهات حَضَرَ الموت, فلم يترك كبيرا ولا وليدا, ومال إلى النساء ميلا كثيرا شديدا:
فردَّ شعورهن السود بِيضًا
وردَّ وجوههن البيضَ سودا

وسار بسيفه المسلول وقال كل واحد لصاحبه إنني عنك مشغول, فكم من بين التراب من إمام وجهابذة أعلام, أصبحوا أثرا بعد عين, رجع التراب إلى التراب كما قضت في الخلق طرا حكمة الخلاق.
فيا سعادة من علم فعمل وأخلص واغتنم هذا الغي قبل أن يتقلص, إذ لا بد من هجوم ما يترقبه المرء ويخشاه كما قال العلامة بن عمر شاه:

فعش ما شئت في الدنيا وأدرك
بها ما شئت من صيت وصوت

فحبل العيش موصول بقطع
وخيط العمر معقود بموت

وعُدَّت الموتى في يوم واحد في مدينة تريم فبلغوا مئة وعشرين (120), واستمر ذلك نحو أربعة أشهر).
[عقد الجواهر والدرر صفحة200].

سنة ١٢٥٠هـ
(ولمّا توفّي عبد الله بن عمر لعجم … وكانت وفاته بسبب الوباء الّذي وقع بشبام وسيئون وبور في سنة (١٢٥٠ ه‍).)
[إدام القوت521]

سنة ١٣١٥هـ
(وفي سنة (١٣١٥ه‍) بنى السلطان [القعيطي] المصانع والحصون بميفع وساق الأكرة والعمّال من المكلّا، وحصّنها بالعساكر، ولكنّ حمّى الصفرا وحمّى الوخم كانت تنقص من أعداد العسكر والعمّال، ولم يستفد السّلطان منها شيئا يذكر.

وأرض ميفع صالحة للزّراعة لكثرة مائها وحسن تربتها، فهي مظنّة ارتفاع هائل، إلّا أنّها موبوءة، قلّ من أقام بها إلّا زارته الحمّى من دون حياء، ثمّ لم تفارقه حتّى تورده شعوب [الموت])

تحدّث عن وباء ميفع صاحب «الشّامل» ص (٧٥) فقال:

(وفي ميفع مستنقعات، كثر من أجلها البعوض، وكانت العرب تقول: إنه عُشّ الحمّى، وقد صدّق قولهم أهل علم الطّبّ الحديث؛ فإنّه يوجد منه جنس يتسبّب عن قرصه الحمّى الصفراويّة، ويقال لها: (الملاريا) ، وهذه الحمّى منتشرة بميفع وبحجر وبوادي ساه، وبعض الغياض. وقد قلّ سكّان ميفع لوبائها ووخمها).
ميفع بلدة غير ميفعة.
[إدام القوت 90-91 المتن والهامش وكتاب الشامل صفحة75].

سنة ١١٧٩ه‍ وما بعدها
(ومنها: أنّ السّلطان صالح بن ناصر بن أحمد الرّصّاص [سلطان البيضاء] همّ بالخروج إلى حضرموت، ثمّ انثنى، ثمّ عزم بعد، فضلّ في الرّمل عتاده من البارود والرّصاص، وتفرّق شمل أصحابه وكثر فيهم الموت والمرض، وعاد خائبا).
[إدام القوت ص943].

السنوات ١٣٣١_١٣٣٥هـ
(كان ذلك في عامي (١٣٣٤ه‍) و (١٣٣٥ه‍) ؛ إذ أصابت دوعن حمّى خبيثة مات من جرّائها ناس كثيرون، وقبلها كانت هذه الحمّى في أسفل الوادي، فمات في شبام في سنة (١٣٣١ه‍) عدد من النّاس، فيهم أكابر علمائها ورموز إرشادها)
[إدام القوت هامش صفحة342].

قال المؤلف عن موضع في شرج الشريف في وادي العين:
(يغلب على أهله الضعف وانتفاخ البطون وقصر الأعمار ، وقلّ من يبيت به ليلتين من غير أهله .. إلّا أصابته الحمّى ، ثمّ منهم من يسلم ، ومنهم من يذهب لما به).
[إدام القوت صفحة433].

هذا ما تيسر عرضه من كتب التاريخ والبلدان, وفيها الكثير لمن بحث وفتش, وليست من المواضيع المبهجة بل ذكرتها لنأخذ العبر والمواعظ مزامنةً مع الوباء الصيني (كورونا).

رحم الله من توفي قديما وحديثا من المسلمين في الأوبئة والطواعين والحمى وكتبهم عنده من الشهداء.

✍يوسف بن سند

السبت ٢٥ / ٨ / ١٤٤١هـ

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

ثقافة البيضة والحجر

      ثقافة البيضة والحجر مقال / فائز الصيعري 6 مايو 2024م ” ويلٌ للعالَم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *