الخميس , أبريل 18 2024

يا أحزاب اليمن، مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا.

 

 

يا أحزاب اليمن، مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا.

 

روى ابن إسحاق في السيرة النبوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بني قريظة بعد معركة الخندق جزاءً لهم على غدرهم ونقضهم العهد, فقَالَ لهم أحد سادتهم وهو كَعْبُ بْن أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ.

قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجُ إلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ [أي بالزواج والإنجاب فيما بعد] قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟

قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمَّنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً، قَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مِنْ الْمَسْخِ! قَالَ: *مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا.*
[السيرة النبوية لابن هشام 2/235]

وقد صدق اليهودي وهو كذوب, وهذه حال الأمم المخذولة المتخاذلة, *لا تعرف حزمًا ولا تصبر على رأيٍ ولا تُبْرِمُ أمرًا ولا تجمع كلمةً* .

*شرعية* خائبة خائرة حائرة جبانة خاذلة متخاذلة مخترَقة, ترى الخيانة من رجالها ولا تحاكم ولا تعزل ولا تحرك ساكنا, تسقط المحافظات والبلدات الواحدة تلو الأخرى ولا تعرف إلا الانسحاب والهرب, تمنع جنودها من القتال وتولي عليهم الجبناء, وتترك الشجعان بلا دعم حتى يبادوا, ومن العجائب أن تستسلم الفيالق المسلحة والألوية المدرعة والعساكر المدججة, لعصابة لا تملك سوى بنادق وقذائف, ومع كل هذه الفواجع, لا يعتذر الرئيس ولا يستقيل وزير الدفاع ولا يتحمل أحد المسؤولية.
*هلاَّ حزمت الشرعيةُ أمرها، وجدَّت في قتال عدوها الذي شرَّدها، وتركت كل شيءٍ جانبا حتى تنتصف منه*

وأما *حزب الإصلاح* وما أدراك ما حزب الإصلاح؟ فاللوم عليهم أعظم, بالغ قادته بهَوَسِ المؤامرة ووسواس الموازنات الإقليمية والدولية، حتى توهموا أشياء لا حقيقة لها، ثم اتخذوا قرارات بناءً على هذه الأوهام, وزعزعوا معنويات شبابهم، وما بُنِيَ على باطل فهو باطل.

ينسحب الإصلاح بقيادة علي محسن الأحمر من صنعاء عندما اقترب منها الحوثي من غير طلقة رصاص واحدة, والمدينة محشودة بالمقاتلين والألوية والسلاح وإرادة القتال, يهربون بدعوى *تفويت المؤامرة* على عفاش وغيره الذين يريدون الصدام بين الإصلاح والحوثي.

أي عقل هذا؟ ففي النهاية أطاعوا خصمَهم عفاشًا بالانسحاب *من غير صولة عز أو جولة مجد* , ومكَّنوا الحوثي من رقابهم, واستولى على مقراتهم وجامعتهم وأوقافهم ونكَّل بأعضائهم وفجر بيوتهم.

علي محسن الأحمر معه أربعة ألوية عسكرية يهرب من دون قتال, ويترك قصره في صنعاء يدخله الحوثيون، *هل يرجى من هذا الرجل نصرٌ أو صبرٌ أو شجاعةٌ أو شرفٌ عسكري* ؟
يا ليته أحرق هذه الأسلحة والمخازن عند انسحابه، ولم يتركها غنيمةً باردةً للحوثي وشوكةً يصول بها على الجميع، وهل بالهرب والانسحاب تواجه المؤامرات يا حزب الإصلاح؟ أم بالصمود والرباط حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وكلما لامَهم الناس قال قادة الإصلاح: *(مؤامرة ومبيوعة* ) فهلاَّ بعتموها لله، وقاتلتم الحوثي وأخزيتم عفاشًا, لكن تخاذلتم فداسكم الحوثي وشمت بكم عفاش ثم لحقكم بعد ذلك.

حدثني طالب كان في جامعة الإيمان، قال: لما دخل الحوثي صنعاء واقترب من الجامعة خرج طلابها ورابطوا بسلاحهم عدة أيام فجاءت الأوامر من قادة الإصلاح بترك الرباط والانسحاب بدعوى *(مؤامرة ومبيوعة)*.
*هلاَّ حَزَمَ حزب الإصلاح أمره، وأصلح ما أفسد، وتوكَّل على ربه لا على الموازنات، وداس على هَوَسِ المؤامرات، وكسر شوكة المتآمرين بالمواجهة وعدم الاستماع لقادة الإصلاح الخاذلين الهاربين*

أما *غلاة الجرح والتعديل من السلفية*، مع كل ما فعله الحوثي بهم من التهجير والتشريد يذمون الحوثي بكلمة ويذمون حزب الإصلاح بخطبة, عندهم *هَوَسٌ* في عداوة الإصلاح *وسُعَارٌ* في ذم الإخوان صار لهم *متلازمةً* مرضيةً *ووسواسًا* قهريًّا، لا يكادون يتنفسون إلا بذلك, ولم يوجِّهوا من هذا الهَوَس والسعار جزءًا كبيرًا للحوثي مع كونه خطرًا وجوديًّا.

غلاة الجرح والتعديل _وهم مشردون_ مشغولون بالتبديع والتفسيق لمن حولهم من أهل السنة والجماعة, تاركون للحوثي الأعظم فِسقًا وبِدَعًا وإجرامًا، فبدلاً من أن *يعدِّلوا* الصفوف في الرباط، *ويجرحوا* الأعادي بالسلاح، عادوا على أقرب الناس لهم بالذم.

لا مقصدَ شرعيَّ أعظمُ من رد عدوان الحوثي لو كان فيهم مُسْكَةُ عَقْلٍ، ولو بالتعاون مع أي طائفةٍ أقل إثمًا من الرافضة.

*هلاَّ حزم غلاة السلفية أمرهم، واجتمعوا على كلمة سواء ضد عدوهم، الذي هو أعظم الطوائف ضلالاً وحقدًا، وعدَّلوا الصفوف بالميدان وجرحوا العدو بالسنان*

أما *حزب المؤتمر*، وما أدراك ما حزب المؤتمر؟ فذاك أدهى وأمَر، ما عساي أن أقول عن حزب حاكم كانت له البلاد كلها، فأضاعها وخربها وسلمها للعدو اللدود، من أجل مناكفة صبيانية ومماحكة مزاجية من غير مُسْكةِ عقلٍ:
إلا الحماقةَ أَعْيَتْ مَن يداويها
فلو أن مجنوناً رُفِعَ عنه قلمُ التكليف كان مكانهم لما صنع من السوء والحمق مثلما صنعوا.
وقد صار حزب المؤتمر بين ذَنَبٍ للحوثي أو تائب رجع إلى صوابه، إلا قلةً مشرَّدةً بعد هذا كله لم تترك هَوَسَ عداوة الإصلاح والإسلاميين، ولا ترفع عقيرتها على الحوثي الذي نكَّل بها.
*هلاَّ حزم المؤتمر أمْرَه، وأدرك من الحوثي ثأْرَه، وترفع عن المناكفات والمماحكات التي ألقته في البوار*

أما *المجلس الانتقالي* في عدن فنسمع جَعْجعةً ولا نرى طحنًا، ملأ الدنيا ضجيجًا بدولة الجنوب والحقوق المسلوبة، وهو لم يفلح في إدارة مدينة واحدة فضلا عن دولة، ولا يستطيع أن يسترجع منزلا أو أرضا بسط عليه أو عليها أمراءُ مليشياته، يظن أنه بمسالمته للحوثي سينجو من شره، ألا ساء ما يظن.
مجلس انتقالي متناقض، مهووسٌ بعداوة الشماليين المدنيين المسالمين، لكنه مهادِنٌ للحوثي الشمالي المعتدي المتربص، مجلسٌ مهووسٌ بعداوة الإصلاح حتى لو قاتل الإصلاحُ الحوثيَّ.
بخطابه الشعبوي الدموي الإقصائي دفع بعض الشماليين للحوثي، ودفع كثيرا من الجنوبيين للشرعية على ضعفها، تسبب بأزمةِ ثقةٍ لكل من حوله.

*هلاَّ حزم مجلس عدن أمره، وقاتل الحوثي المتربص بالجميع، وكفَّ عن معاداة الآخرين وتمزيق الكلمة، وأعرض عن الشعارات والمزايدات، وبدأ بالعمل والإنجازات*

يا حكومة الشرعية،
يا قادة الإصلاح،
يا غلاة الجرح والتعديل،
يا بقايا المؤتمر،
يا مجلس عدن،
أقول لكم:

*مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدَّهْرِ حَازِمًا.*

كتبه / ناصر بن عبدالله

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

بالرفاءِ والبنين .. تكثرُ اللجان

بالرفاءِ والبنين .. تكثرُ اللجان   بقلم / أحمد باصهي يستغلُ السياسيون في بلادنا طيبة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *