السبت , أبريل 20 2024

تعويذة ضد الهموم

 

 

 

تعويذة ضد الهموم

 

للكاتب فيصل الكثيري

يعاني أكثرنا _ إن لم أقل كلّنا – من ضغط الحياة الحديثة الذي لا هوادة فيه، حتى بات الشعور بالهمّ والقلق كاللعنة التي إذا ما أصابت أحداً أهلكته أو نغصّت عيشه، وصار أكثرنا يشعر في كثير من الأحايين بالعجز عن احتمال أثقال هذا العالم ومضايقاته وهمومه ونكد أخباره ومشاكله، بل أصبح يشعر وكأن أعصابه تتعرّض لمنشار الهموم والمشاكل الذي يندفع إلى الأمام ثم إلى الخلف فالأمام فالخلف محدثا صوتا خشنا وتقطيعا لما ينشره.

كذلك الحال مع أعصابنا التي ينشرها الهم والنكد بمنشاره ليل نهار، مع أخبار لا تحمل إلاّ سوءاً منها..ويبقى هناك سؤال يدور في الأذهان دوماً هو كيف لنا أن نتخطى تلك المتاعب، أو نتحملّها ونعيش دون أن تعرقلنا؟ ولا بد أنّ كل واحد منا يتمنىّ أن يكون هناك وصفة سحرية أو خلطة خاصة يستطيع أن يستعين بها للتخلّص من همومه ومتاعبه بل لابد أن الجميع يتمنى أن يجد تعويذة ما أو رقية تبدّد همومه ومتاعبه، وفي قناعاتي أن كل واحد منا يستطيع أن يُعدّ تعويذته ورقيته الخاصة به لتحميه ــ بإذن الله ــ من شرور الهموم ومتاعب النكد وتخفّف عنه وطأتها.

هذه التعويذة هي: مزيج من قناعات قلب مؤمن بأنه لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا، والانشغال بالتفكير في كثير من الكوارث والمتاعب قبل وقوعها لن يجنّبنا إيّاها إن أراد الله أن نصاب بها، فكم منا من شخص يسرف في التفكير في كثير من المشاكل حتى قبل وقوعها وهو يعتقد أنه بحذره يستطيع الفرار منها ناسيا أن لا فرار من قدر الله، ولا ينفع حذر مع قدر.

ودورنا أن نأخذ بأسباب الحيطة ونتوكل على رب بيده تصريف الأمور. وكلما أحسنا الظن بالله حصدنا الكثير من الخير الذي يفوق حسن ظننا، يقول ابن القيم: لو أنّ أحدكم هم بإزالة جبل وهو واثق بالله لأزاله، وتتضمن هذه التعويذة والرقية أيضاً نداءً ملحاً بأن تتغلّب على كل الإيحاءات التي تقول لك إن الحياة لا بد أنها ستؤذيك بطريقة ما. نعم قد تؤذيك ولكنها لن تؤذيك أكثر من غيرك، فتحرّر من وهمك بأن الاقدار الشريرة تستهدفك، وتحلَّ بصمود الرجل الذي يعلم أنه قد يتلّقى الضربات لكنه يصرّ على أن يمضي قدماً في المغامرة والكفاح.

وأعلم أنه سيأتي دورك لتضرب ضربتك فاجمع كل قواك لتسدّد ولو ضربة واحدة. وأعظم تلك القوى: الإيمان، والشجاعة، والثبات، والمرح. وقد تندهش أني أوصيك بالمرح. لكنني أؤمن بأن الأضداد تغلب بعضها البعض، فكما نطفئ النار بالماء، نقتل الهم بالضحك والمرح، إن تعلّمت كيف تسخر من همومك قبضت على عنقها وتحكّمت بها، وأن بقيت تهابها وتعيش القلق منها فاعلم أنها تقبض بكمّاشاتها عليك. أحياناً كثيرة أقف لأتأمل أولئك الذين يقفون صفوفا ينتظرون دورهم ليلعبوا لعبة خطرة. يدهشني إقدامهم ولهفتهم وهم يلعبون أن اللعبة خطرة لكنهم يستمتعون ويضحكون مرحاً. فيتغلبون على خوفهم بالضحك والمرح. ولا يفكّرون في الأسوأ. ولا يلقون بالاً لأي احتمال بتعطّل هذه اللعبة أو حدوث كارثة عظيمة. لأنهم يثقون بأن اللعبة تخضع لصيانة دقيقة فإذا كان هؤلاء يثقون بذلك وهو صنع بشر. فكيف لا نطمئن ونثق بأن الأسوأ لن يحدث لأن الرحمن الرحيم سيلطف بنا، وسيحمينا ولن يكلفنا فوق ما نطيق؟ إن تعويذة الحماية التي نتمناها لن نجدها إلاّ في الإيمان الراسخ بلطف الله ثم بتحدي الهموم بقلب المغامر الذي يهوى المخاطر ويطلق صيحات ضحكة ومرحة ساخراً منها مهما قلّبته تلك المخاطر وأخذته يمينا ويساراً. وارتفعت به عاليا أو هوت به من علوٍ عظيم.

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

بالرفاءِ والبنين .. تكثرُ اللجان

بالرفاءِ والبنين .. تكثرُ اللجان   بقلم / أحمد باصهي يستغلُ السياسيون في بلادنا طيبة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *