الصراعات الداخلية في حضرموت: جذورها وآفاق الحل
للكاتب/ فيصل الكثيري
حضرموت، هذه المحافظة ذات العمق التاريخي والثقافي، تعيش اليوم صراعات داخلية متعددة الأبعاد تهدد استقرارها ومستقبلها. فبالرغم من غناها بالموارد الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، تعاني حضرموت من مشاكل داخلية تعكس تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي في اليمن. لفهم هذه الصراعات، يجب التعمق في جذورها والبحث عن حلول مستدامة.
جذور الصراعات في حضرموت
تنبع الصراعات الداخلية في حضرموت من مجموعة من الأسباب، بعضها تاريخي والآخر مستجد.
• التنافس القبلي والاجتماعي: تاريخيًا، كانت القبائل تمثل العمود الفقري للمجتمع الحضرمي، حيث لعبت دورًا محوريًا في إدارة شؤون المنطقة. ومع ذلك، تصاعدت الخلافات بين القبائل بسبب التنافس على النفوذ والموارد، مما ساهم في خلق بيئة من الانقسام.
• الاقتصاد الغير عادل: تعد حضرموت من أغنى المحافظات اليمنية بالموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز. لكن سكانها يعانون من التهميش الاقتصادي وضعف التنمية، مما خلق شعورًا بالحرمان وأجج الاحتقان بين مكونات المجتمع.
• التدخلات الخارجية: الأطراف الإقليمية والمحلية غالبًا ما تستخدم حضرموت كساحة لتحقيق مصالحها، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد للصراعات الداخلية. هذه التدخلات تعزز الانقسامات الداخلية وتضعف قدرة أبناء المنطقة على توحيد صفوفهم.
• ضعف المؤسسات المحلية: غياب دور فاعل للمؤسسات المحلية في إدارة الموارد والخدمات الأساسية أدى إلى تفاقم الأزمات وزيادة الاعتماد على الولاءات القبلية والسياسية.
آثار الصراعات على حضرموت
تؤثر الصراعات الداخلية في حضرموت على عدة مستويات. فعلى الصعيد الاقتصادي، تسببت في عرقلة الاستثمارات وتدهور البنية التحتية، مما أضر بمعيشة السكان. أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أدت الانقسامات إلى تراجع القيم التقليدية للتضامن والتعايش التي عُرفت بها حضرموت تاريخيًا. كما ساهمت في خلق بيئة غير مستقرة أمنيًا، ما جعل المحافظة عرضة لمزيد من التدخلات.
آفاق الحل
رغم التحديات، يمكن تجاوز الصراعات الداخلية في حضرموت من خلال اتباع نهج شامل يركز على:
• تعزيز الحكم المحلي: يجب تمكين المؤسسات المحلية وإعطاؤها صلاحيات أكبر في إدارة الموارد والتنمية.
• إقامة حوار شامل: يمكن أن يساهم الحوار بين القبائل والمكونات الاجتماعية المختلفة في تعزيز التفاهم وتقليل التوترات.
• تنمية اقتصادية عادلة: تحقيق توزيع عادل للثروات والاهتمام بالمشاريع التنموية سيخفف من الاحتقان الاجتماعي.
• تحييد التدخلات الخارجية: يجب تقليل الاعتماد على الأطراف الخارجية التي تسعى لاستغلال الانقسامات لمصالحها.
خاتمة
الصراعات الداخلية في حضرموت ليست قدَرًا محتمًا، بل هي نتاج تراكمات تاريخية وسياسية يمكن معالجتها عبر الالتزام برؤية وطنية جامعة. يبقى الأمل معقودًا على وعي أبناء حضرموت وإصرارهم على حماية هويتهم ومصالحهم بعيدًا عن النزاعات التي تعيق تطورهم واستقرار منطقتهم.