الجمعة , مارس 29 2024

للتاريخ كيف سقطت حضرموت؟ إرهاصات ١٧ سبتمبر

 

للتاريخ كيف سقطت حضرموت؟ إرهاصات ١٧ سبتمبر

 

▪️مقال للأستاذ محمد محفوظ بن سميدع

منذ بداية الستينيات من القرن الماضي كانت حضرموت تعيش أزهى مراحلها التجارية والثقافية والرياضية والفنية وكانت من أفضل الدول في جزيرة العرب في كثير من المجالات وكان الأمن والاستقرار ضارب أطنابه من أقصاه إلى أقصاه في ظل دولة النظام والقانون دولة ترعى مصالح الجميع ويتمتع فيها المواطن بقدر كبير من الحرية الشخصية خاصة بعد إطلاق الحريات العامة وتعدد الآراء ووجود صحافة أهلية حرة..

كان الحضارم يتوقون ليوم الخلاص وجلاء بريطانيا خاصة بعد أن أعلنت اعتزامها الرحيل ومنح حضرموت الاستقلال في مطلع العام 1968م ، فهم على ثقة تامة بأن لديهم دولة قائمة ومتكاملة البنيان ولهم علمهم وجواز سفرهم وغيره من مقومات الدولة المستقلة ويحلمون بدولة حضرموت الكبري.

ولم يكونوا يعلمون بما تخبأه لهم الأقدار وما تحيكه لهم بريطانيا من مخطط خبيث يتم استكماله داخل المخابرات البريطانية والتي بدأتها بإخلاء الدولة من أركانها فبعد أن أوعزت للوزير أحمد العطاس بمغادرة البلاد مع أسرته إلى الكويت للعلاج، ألزمت السلاطين الثلاثة بالتوجه إلى جنيف لمقابلة لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، رفض السلاطين في بداية الأمر لإحساسهم بالمؤامرة ولكن في الأخير أذعنوا بموجب اتفاقية الحماية مع بريطانيا..

كان هناك إحساس أن شيئا ما يدور في الكواليس ولكن لابد مما ليس منه بد، السلطان غالب بن عوض القعيطي سافر بعد أن أوكل أمر البلاد إلى لجنة الطوارئ المشكلة من السكرتير مسلّم بلعلا القائم بأعمال الوزير والنائب بدر الكسادي والسكرتير الحربي اللواء صالح بن سميدع القائد العام للقوات المسلحة وقادة النظام والشرطة وجيش البادية .

بعد سفر السلاطين بدأ المخطط البريطاني مراحله الحاسمة فقد أعلنت المستشارية البريطانية في المكلا أن طاقمها البريطاني سيغادرون المكلا إلى عدن حسب الأوامر الصادرة لهم وتم إبلاغ اللواء بن سميدع بواسطة السكرتير الحربي جونسون، لكن اللواء بن سميدع اعترض ولكن بعد تأكده من تسوية وضع جيش البادية تم السماح لهم بالمغادرة وأحس القائد بن سميدع ورفاقه بأن المؤامرة بدأت وما عليهم إلا التكاتف والتعاون بين كل كافة القوات الموجودة .

فجأة ظهر أعضاء من تنظيم الجبهة القومية يطالبون باستلام السلطة من القوات المسلحة لهم، وكانوا مجموعة قليلة لكنهم يتكون على وعود بريطانية وكان أغلبهم قد خرج من المستشارية البريطانية في المكلا التي كانوا يعملون بها وعندما تقدموا إلى لجنة الطوارئ التي كانت تدير البلاد بغرض تسليم السلطة والبلاد لهم كان لديهم نفر قليل داخل المؤسسة العسكرية يوالون لهم بينما الشارع كان ينقسم إلى جبهة التحرير والرابطة والبعث وغيرهم من الإتجاهات..

كان العقلاء داخل لجنة الطوارئ يعرفون حجم الجبهة القومية ولكنهم يعرفون الخبث البريطاني الاستخباري ويدركون في حالة رفضهم ما هي الخيارات وأين تقود البلاد وهي في حالة انقسام وكان المد الناصري الشعبوي يسيطر على الشارع ..
كانت البلاد في بداية سبتمبر على كف عفريت والكل مستعد لكل طارئ.

عندما تم جمع كل القادة والضباط في منزل القائد بن سميدع الذي بدوره وضعهم أمام الحالة الراهنة انقسم الجمع إلى نصفين مع التسليم، وآخر ضده وتأزمت الأوضاع وتم الاتفاق على التسليم.

ولكن لجنة الطوارئ ماطلت لعلّ وعسى أن تأتي انفراجه وجاء الفرج فعلا عندما وصلت برقية من السلطان غالب من عرض البحر يوم ١٦ سبتمبر تفيد بوصوله صبيحة يوم ١٧ سبتمر موجهة إلى السكرتير الإداري والذي بدوره عرضها على الكسادي وبن سميدع أعضاء لجنة الطوارئ واتفقوا على أن يتم سري حتى نزول السلطان إلى بر المكلا، غير أن محمد عبدالقادر بافقية الذي كان يشغل ناظر المعارف آنذاك سربها إلى أعضاء تنظيم الجبهة القومية بعد أن علم بخبر البرقية من السكرتير الإداري وهو ماذكره عبدالقادر باكثير عضو القيادة المحلية للجبهة القومية بحضرموت في كتابه الموسوم بمذكرات عن مراحل النضال، وذكره أيضا السلطان غالب بن عوض القعيطي في حديثه مع مجلة حضرموت الثقافية مع الاستاذ صالح الفردي في حديث شامل.

كانت لحظات حاسمة اجتماع أعضاء الجبهة القومية مع قادة القوات المسلحة واتفقوا على تسليم السلطة من صباح يوم ال١٧من سبتمبر وإلزام السلطان بالعودة من حيث أتى وتم ذلك بالفعل صبيحة يوم ١٧ سبتمبر ١٩٦٧م بدعم من القوات المسلحة في جيش البادية وجيش النظام .

وبدأت مرحلة جديدة في حياة الحضارم وكان اللواء بن سميدع معتكف في بيته لم يشارك في اتفاق اللحظات الأخيرة بين أعضاء تنظيم الجبهة القومية وقادة القوات المسلحة وأيضا النائب بدر الكسادي لم يشاركوا في ذلك اللقاء الأخير ضمن لجنة الطوارئ وكانوا رافضين تماماً التسليم للجبهة القومية وكانت تلك النقطة التي جعلت قيادة الجبهة القومية تضع ألف خط أحمر على هؤلاء الاثنين: القائد بن سميدع، والنائب الكسادي وتم اعتقالهم فيما بعد وتم إعدامهم بعد ذلك .

أما بقية القادة الذين وقعوا اتفاقية التسليم فقد تم معاقبتهم فيما بعد مثل جزاء سنمار فقد اُعتقل البعض منهم وسُرح البعض الآخر من الخدمة بعد أن تم تفتيش منازلهم والبعض الآخر تم تصفيته جسديا مثل العقيد باقروان .

تم تصفية الساحة الحضرمية من كل مسؤولي العهد السابق وأطلقت الجبهة القومية يدها يمينا و شمالا في التنكيل بالشعب الحضرمي وسنّت القوانين المتطرفة وتم ضم حضرموت لدولة الجنوب وأصبحت حضرموت المحافظة الخامسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهكذا تم إنهاء شيء اسمه حضرموت سياسياً وتاريخيا وثقافياً وها نحن نعاني الويلات نتيجة ما حدث في يوم السابع عشر من سبتمبر ١٩٦٧م.

مصادر المعلومات.
حديث السلطان غالب بن عوض القعيطي لمجلة حضرموت الثقافية
أرشيف اللواء صالح بن يسلم بن سميدع السكرتير الحربي للدولة القعيطية
كتاب مذكرات عن مراحل النضال عبدالقادر باكثير عضو القيادة المحلية للجبهة القومية

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

إلى اين نحن متجهون ؟

    إلى اين نحن متجهون ؟   كتب / امين بن كده الكثيري في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *