السبت , مايو 18 2024

صورٌ من معاناة الناس .. في أرض الثروات..

 

صورٌ من معاناة الناس .. في أرض الثروات..

▪️مقال للأستاذ/ أحمد عمر باحمادي

أظهر أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت بكثرة في اليومين الماضيين رجلاً وقف بثبات أمام وقفة احتجاجية لأحد المكونات ذات السمعة الضعيفة في الشارع الحضرمي معلناً للواقفين ألّا فائدة من تلك الوقفة وإنما المطلوب هو الرحيل ولا شيء سوى الرحيل للشلة الفاسدة والتحالف الظالم الذي تسبب في معاناة الناس وتدهور أوضاعهم المعيشية.

ومن بين ما ذكره ذلك الرجل الذي نحيّي فيه تلك الشجاعة والكرامة والعزة أن قال : ” ناس ما تتغدى .. وبيوت ما يبسطون … ).

تأثر الحاضرون بكلامه وأخذوا يصفقون له بعد أن انتهى .. أو تم إسكاته من قبل أحد الجنود الذي ظهر في المقطع وهو يحمل سلاح الكلاشينكوف.

أعادتني تلك الكلمات المؤلمة إلى ذكرى عدد من الحوادث التي بقيت في مخيلتي عما يعانيه كثير من الناس بصمت.

ناس شرفاء سكتوا عن فقرهم وصبروا عن مسكنتهم ولم يسألوا الناس أعطوهم أو منعوهم ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ).

لا أنسى رؤيتي فجراً لتلك المرأة المتلفعة بخمارها والتي كانت تقلّب أكياس القمامة بحثاً عن شيء من الطعام، كنت حينها في دورة تعليمية في المكلا، وخرجت من مكان سكني لأجدها أمام مدخل العمارة التي كنت أبيت فيها.

تفاجأت أول الأمر كوني لم أصادف موقفاً كهذا في حياتي .. كنت رجلاً قروياً ريفياً .. ولا عهد لنا في منطقتنا بمثل ما رأيت البتة.

حاولت إخفاء تفاجُئي ..
تجاهلت متعمداً الموقف وأظهرت نفسي كـأنني لم أرَ شيئاً .. ما أعطى المرأة الجرأة والشجاعة في أن تواصل البحث بعد أن نظرت إليّ نظرات حياء سريعة.

مَن تلك المرأة ؟ وعمّاذا كانت تبحث ؟ وكيف حالها ومعيشتها ؟ .. العلم عند الله وحده.

إلا أنّ ما أدركته واستوعبته من تلك الحادثة أن بين ظهرانينا من يعانون الأمرّين .. منهم من لا يجد ثلاث الوجبات الأساسية في اليوم .. منهم من يتبلغ بوجبة واحدة .. ومنهم من لا يقيم أوده ـ كما سمعت وقرأت ـ إلا بكسرات من الروتي وكوب من الشاي قليل السكر .. ومنهم من يعطي لطفله الماء الخلوط بالسكر بدلاً عن اللبن المعلب الذي لا يستطيعون شراءه لارتفاع سعره كثيراً فوق حدود مستطاعهم .. إلى آخره من تلك القصص الماساوية.

أحوال مكتومة ومشاهد من الفقر لو رُفع عنها غطاء الغيب لرأينا عجباً .. ولتقطّعت أكبادنا .. ولاعتصرت بطوننا من الألم .. هذه البطون التي نملؤها بأنواع الطعام والشراب حتى نحس بالتخمة .. متناسين معاناة الكثير من إخواننا.

أصبح الغني في بيته لا يسأل عمّن يجاوره في الحارة .. لا يرحمون ولا يتصدقون ولا يعطون العطاء الذي يسعدهم .. فسعادتهم مرهونة بعطائهم لكنهم صاروا كمن لا يريد السعادة.

هذا بالطبع لا يعفي من المسئولية من أوصل هؤلاء الناس إلى مهاوي الفقر والحاجة.

فالمسئول الفاسد .. والمرتشي المسترزق بالحرام .. واللص والسارق والحرامي المتوحش .. والمختلس للمال العام .. والتاجر المتجرد عن كل معاني الشفقة والرحمة ..

وتدخلات الأخوة الأعداء الممثلين بالتحالف ومليشياتهم .. ومشعلو الحروب والفتن وتجارها .. جميعهم مشتركون فيما أوصلوا الناس إلى ما هم فيه من الأوضاع المأساوية التي جعلت البعض منهم ـ والعياذ بالله ـ يفكر بالانتحار أو يتمنى الموت هرباً من الألم الذي يعانيه حينما يرى أولاده الصغار وبناته الصغيرات لا يملكون أبسط احتياجات الحياة ..

لا يرتدون ملابس نظيفة تناسب أجواءهم .. لا يأكلون الفاكهة حتى تتحسن صحتهم .. لا يتمعتون بلعبة بسيطة تنسيهم ضنك العيش ..

لا يفرحون في العيد تمام الفرحة .. لا يجدون اللحم الطازج .. لا يعيشون طفولتهم كما يجب أن تكون .. أسوة بجيرانهم الأغنياء في الدول المجاورة التي لا تبعد عنهم غير مرمى حجر.

وصلنا إلى نهاية المشوار من المعاناة .. انفجر الناس .. وتفجّرت براكين الغضب .. لا شيء سيوقف المد الهادر .. لا الرصاص .. لا السجون ولا الاعتقالات .. لا الوعود المعسولة .. ولا التهديد المبطّن ..

لقد انفرط العقد .. وانسكب لبن الصبر الجميل .. فلا مجال إلا بتغيير الحال ..

لقد غيّر الناس ما بأنفسهم من الجبن والخوَر والخوف من المجهول .. غيروا ثقافتهم السلبية .. وقد آن أن يتغيّر حالهم بإذن الله تعالى .. كما قال المولى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).

فهل ستتلاشى معاناتهم لينعموا بعيشة كريمة على أرض الثروات..؟!!.

 

 

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

أمير المؤمنين ((سالمين))..!!

    أمير المؤمنين ((سالمين))..!!   كتب الاستاذ عبيد احمد طرموم على صفحته في الفيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *