الجمعة , أبريل 26 2024

السلطان الذي هزم البرتغال في حضرموت وظفار

ونحن نودع شهر رمضان المبارك عام ١٤٤١ من الهجرة النبوية استذكر إحدى المفاخر التي كانت في هذا الشهر المبارك شهر الانتصارات والفتوح التي تتابعت لأمة الإسلام بعد معركة بدر الكبرى.

 

إنها المعركة التي كسرت إحدى أعظم الدول التي حكمت البحار وكانت فتحا عظيما لأهل الأحقاف قبل (٤٩٩) عام أي عام (٩٤٢) من الهجرة في شهر رمضان المبارك في ضحى اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك من هذا العام كما ذكر صاحب كتاب تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر :

 

هجم السلطان بدر بن عبدالله الكثيري ( بدر بو طويرق) على الإفرنج البرتغال بالشحر وانتهت المعركة بقتل أكثر من (٣٠) افرنجي ( برتغالي) وهرب القبطان و(٤٠) من كبار البرتغاليين في المدينة فلاحقهم رجال بو طويرق إلى أن حوصروا في بيت إلى الظهر فطلبوا تسليم أنفسهم مقابل تأمن أرواحهم فوافق السلطان وفرقهم على عسكره وجنده.

 

وكان السلطان بدر في حروبه لديه أنصار من قبائل آل كثير وحضرموت وشبوة والمهرة ولديه أيضا عسكر من يافع والزيدية وكذلك أشراف الجوف بعد مناصرته لهم وإكرامه لهم بعدما هزمهم الإمام فصاروا من ضمن رجاله وقد أرسل لهم بعد ذلك جيش من حضرموت بقيادة ابنه استردوا به بلادهم ولديه أيضا عسكر من الموالي ( العبيد) النوبة.

 

ثم وجد رجالات بو طويرق حوالي (٣٠)برتغالي مستخفين في البيوت فوصل عدد أسراهم إلى سبعين أسير لكن الثلاثين الآخرين قبضوا عليهم بدون إعطائهم الأمن وقبض السلطان بدر على سفن أخرى لهم قريبة من السواحل فقيّدهم مع أصحابهم

وبعد الفساد والنهب والسرقات من هؤلاء المجرمين المرتزقة إذا بهم تحت قبضة البدر، وكانت الغنائم أكثر من ١٤ سفينة يطلق عليها برشة وفيها أموال وعروض تجارة وعبيد .

 

وبينما المسلمون في نشوة الانتصار جاءت البشائر للسلطان من نوابه في ظفار بأنهم هزموا مجموعة من البرتغال وقبضوا على عشرة منهم وقتلوا أحدهم

ومن العجب أن هؤلاء البرتغال قبل سنة حاول السلطان كف أذاهم بعد أن قاموا بأسر عدد من أبناء جزيرة كمران التي في شمال اليمن فأنفق السلطان لهم الأموال لفكهم ثم أرسل لقبطانهم خيول وهدايا لكف شرهم لكن أبى هؤلاء إلا الغدر والخيانة بالمسلمين،

لذلك قام السلطان بدر بقتل عدد من البرتغال المقبوض عليهم الذين لم يعطوا الأمان في نفس اليوم .

 

وكان هناك خلاف على الحكم بين السلطان بدر وأخيه الأكبر السلطان محمد فاشترطوا في تلك الفترة أن يتقاسما إمارة السلطنة الكثيرية

لذلك حينما وصل إليه أسرى البرتغال القادمين من ظفار أخذ السلطان بدر خمسة من الأسرى والسلطان محمد خمسة من الأسرى وأول ما قام به بدر بو طويرق أن قام بقتل أسراه بخلاف محمد الذي أطلقهم وأرسلهم إلى هرمز وهذا من ضمن الأسباب التي جعلت السلطان بدر يختلف مع أخيه وصار بينهم ثم استتب الحكم بأكمله لبدر وصار محمد أميرا للشحر إلى أن توفي

 

وكان السلطان بدر لا تقل حنكته السياسية ونظرته البعيدة عن شجاعته وحزمه وهذا من أسباب استمرار حكمه (٥٠) عام مع وجود المنافسين في الداخل والخارج

 

فأرسل للسلطان سليمان القانوني بخمسة وثلاثين برتغالي بسفينة بقيادة مصطفى التركي، لما علم من بغضه للبرتغال وحرصه على قتالهم وذوده ودفاعه عن المسلمين وقد فك سبعة من البرتغال قيودهم لما وصلوا قريب من جدة فقاتلهم مصطفى وقتلهم ووصل البقية إلى السلطان القانوني وكان لهذا التصرف الحكيم من السلطان بدر في الاجتماع ضد العدو المشترك للمسلمين أثره العظيم.

 

فقد أرسل سليمان باشا والي العثمانيين في مصر خلعتان وخطاب مرسل من السلطان سليمان القانوني للسلطان بدر بو طويرق وكذلك لحاكم عدن مفاده بأنه مهتم بإخراج جيش لقتال البرتغاليين في الهند وإعطاء معلومات عنه للتنسيق مع السلطان لاحتياجهم لحليف لبعد المسافة وتزويد السفن بالمؤن،

وأن سليمان باشا سيخرج بنفسه لجهادهم وأرسل إليه السلطان فص من الماس وخمسمائة مثقال من العنبر.

 

ولما كان يوم الاثنين (٢٢ ربيع الأول ٩٤٣ هجري) اجتمع السلطان برجال دولته وعسكره في الجامع الشريف مع رسول العثمانيين فرحات شوباصي ومن معه وقرأ الفقيه عبدالله بامخرمة مراسيم السلطان سليمان القانوني وذكروا فيها عن حملة عسكرية ضخمة ستتوجه للهند بأربعين ألف مقاتل من العثمانيين

وكان هناك تنسيق عالي وقد جعل بو طويرق بلاده منطلق للعثمانيين لانطلاق سفنهم لقتال البرتغال بل زودهم ببعض السفن عند حاجتهم لها وكذلك بإعطائه لبعض البحارة البرتغاليين الأسرى لديه ليستفيدوا من خبراتهم .

 

ولم تتوقف النتائج المباركة لمعركة الشحر عن هذا الحد فقد قام السلطان بإعمار حصن في غيل باوزير ووضع فيه أسرى البرتغال مع القبطان وبعد هذه المعركة العظيمة لم يجرؤ البرتغال على إرسال حملة عسكرية للشحر بل أرسلوا من يفاوض السلطان بدر بو طويرق بإطلاق أسراهم فاشترط عليهم شروطا خيالية فاقترحوا فك أسراهم مقابل أنهم يرسلون أربعة من كبارهم يقومون بكتابة الخطوط لأهل الخشب ويظهر أنها تعليم على فن الملاحة البحرية.

ولا زال البرتغال يرسلون الرسل لفك أسراهم ومكثوا في سجن بو طويرق كثيراً ويقبض رجال بو طويرق على بعضهم وكثر الأسرى لديه منهم واستفاد من قدراتهم وخبراتهم ومعارفهم إلى أن أطلق من سلم منهم من القتل بعد مفاوضات وشروط لصالح دولته رحمه الله

 

ويظهر أن السلطان كان ينتظر هذه المعركة بفارغ الصبر خصوصا بعد غدرهم وخيانتهم وعدم قبولهم لكف شرهم عن المسلمين ولا يزال يستذكر كيف قاموا قبل ١٣ عام من هذه المعركة التي مكن الله بها أهل حضرموت وسلطانهم من رقابهم بنهب الشحر بعد أن كان السلطان في الوادي وقد استشهد الأمير مطران والشيخ بافضل وعدد من الابطال ثم لاذوا البرتغال بالهرب بعدما نهبوا المدينة وعبثوا بها قبل مجيء الأمير عطيف بن دحدح من الريدة حيث قام بتأمين الشحر

 

لقد كانت لهذه المعركة أصداء عظيمة ومن الشعراء الذين خلدوا هذه المعركة الشيخ عمر بامخرمة وكان من المقربين من السلطان ويصف كيف هزم الله أهل التثليث بقيادة أهل التوحيد بقيادة السلطان بدر الكثيري

 

 

يقول بوعليا بدا بدر السعادة واستنار

أضاء على الأرض حتى أطفأ بنوره كل نار

وأمست وجوه الكفر وأهل الكفر يعلوها قتار

فالحمدلله طاب لأهل الشحر فيها ماء الآبار

واسفر محّيا الدَّين وآثرنا وأخذنا كل ثار

من عابدي الأوثان في تثليثهم لازاد ثار

الله نصرالإسلام بك يابدر ياعالي المنار

ياتاج رأس الملك يامن صيته استعلى وطار

حتى ملا الآفاق وأمسى كل خارب به عمار

هو ذا حسابي فيك ياذي به إلى أمثالك يشار

ذا المسك االمحمود ذا ساس المعالي والفخار

 

وبعد أن افتخر بأن أهل الإسلام أخذوا ثأرهم من الكفرة بقيادة السلطان بدر تحدث عن ندمه من عدم مشاركته في جهاد هولاء الكفرة وقد كان في هينن وقال :

 

ياريتنا سايرت في مسراك يابدر القطار

باحمل لك الرَّاية وباكثر سواد أهل المغار

وأدخل معك في الباب ذي تدخله في هذي البدار

ماغير ذِه مرَّه وعاد الله يعودها مرار

إن الفلك بالنصر لك يابدر والتوفيق دار

وأيامك الغراء تراها نوَّها بالغيث ثار

وأنواد واديها سرى فيها الصبَّا الشرقي وثار

فاستغنم الفرصة وطيب اليوم خلَّه للتجار

طهر بسيفك الأرض غير به غيار أهل الغيار

الشحر قدها لك ووادي الغيد والحرجاء ظفار

والناس بين ايديك سكَّان البوادي والقرار

 

وبقيت هذه المعركة العظيمة التي أكرم الله بها سلطان الأحقاف الممتدة دولته من صلالة إلى أبين وجيشه هزم الذي جيش الإمام وفك حصار العثمانيين في زبيد في ذاكرة التاريخ من أوسع صفحاته لذلك بعد حوالي أربعين عام من هذه الحادثة قال الشاعر عبدالصمد با كثير للسلطان عمر بن بدر الكثيري ويذكر كيف أذل الله البرتغال على يد والده وإرسالهم أسرى لسلطان الروم سليمان القانوني

 

 

قمتم بحقّ ابن عثمان وطاعته

محبة هي منكم عن أب فأب

 

كمثل ما أسر الإفرنج من قدم

أبوك بدر بن عبدالله ذو الحسب

 

ساروا بهم في وثاق الأسر قد صفدوا

بعضا وبعضهم قد غلّ باللبب

 

هناك كان إلى اصطمبول مقدمهم

إلى سليمان يالله من عجب

 

وبعدها في زبيد حيث طال على

عساكر الروم ضيق الحصر والتعب

 

أرسلتم المال والأمداد نحوهم

وكل غال من المشحوم والذهب

 

رحم الله سلطان حضرموت وظفار بدر بو طويرق الكثيري الذي طرق البرتغال بأبطال أنهوا غطرستهم وسيطرتهم على سواحل بلاده وتستحق هذي المعركة أن يتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل فهي من المفاخر التي لا يزيدها تقادم الأيام إلا اهتماما ومكانة وتحكي عن ملحمة بطولية لرجال الأحقاف في وجه قراصنة البحار

عن عبد الإله بن سعيد بن عيلي

Avatar

شاهد أيضاً

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر التاريخية التي انتصرت بها الدولة الكثيرية في حضرموت وظفار على البرتغاليين عام ٩٤٢ هجري

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *