الإثنين , مايو 6 2024

المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف

 

 

 

المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف

 

 

▪️صحيفة صوت حضرموت/ مقالات دينية

عَنْ أبي هُريرةَ – رضْيَ اللهُ عنه – قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ. احْرِصْ على ما يَنفعُكَ، واسْتَعنْ باللهِ ولا تَعجزْ. وإنَّ أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَرُ اللهِ وما شاءَ فَعَل، فإنَّ (لَوْ) تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ». رواه مسلم.

 

قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين – رحمه الله -:

قال المؤلف – رحمه الله تعالى – فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمنِ الضَّعيفِ».

المؤمن القوي: يعني في إيمانه، وليس المراد القوي في بدنِه؛ لأن قوة البدن قد تكون ضررًا على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومةً.

لكن (القوَّة) في قوله – صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي»، تعني قوة الإيمان، لأن كلمة القوي تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان، كما تقول: الرجل القوي، أي في رجولته، كذلك المؤمن القوي يعني في إيمانه؛ لأن المؤمن القوي في إيمانه تحمله قوة إيمانه على أن يقوم بما أوجب الله عليه، وعلى أن يزيد من النوافل ما شاء الله، والضعيف الإيمان يكون إيمانه ضعيفًا لا يحمله على فعل الواجبات، وترك المحرمات فيُقصِّر كثيرًا.

وقوله: (خيرٌ) يعني: خير من المؤمن الضعيف، وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، ثم قال – عليه الصلاة والسلام -: « وفي كُلٍّ خيرٌ»، يعني المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير. وإنما قال: «وفي كلٍّ خيرٌ»؛ لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك.

وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز، وهو أن يتكلم الإنسان كلامًا يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي كلٍّ خيرٌ»، أي: المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، لكن القوي خير وأحبُّ إلى الله.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: «احرصْ على ما ينفعُك» هذه وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام لأمته، وهي وصية جامعة مانعة «احرصْ على ما ينفعُكَ» يعني أجتهد في تحصيله ومباشرته، وضد الذي ينفع الذي فيه ضرر، وما لا ينفع فيه ولا ضرر، وذلك لأن الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفع الإنسان، وقسم يضره، وقسم لا ينفع ولا يضر.

فالإنسان العاقل الذي يقبل وصية النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحرص على ما ينفعه، وما أكثر الذين يضيعون أوقاتهم اليوم في غير فائدة، بل في مضرة على أنفسهم وعلى دينهم، وعلى هذا فيجدر بنا أن نقول لمثل هؤلاء: إنكم لم تعملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم؛ إما جهلًا منكم وإما تهاونًا، لكن المؤمن العاقل الحازم هو الذي يقبل هذه النصيحة، ويحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه.

وهذا حديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراسًا له في عمله الديني والدنيوي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احرص على ما ينفعك»، وهذه الكلمة كلمة جامعة عامة، «على ما ينفعك»، أي: على كل شيء ينفعك، سواء في الدين أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدِّمْ منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد.

وفي قوله: «احرص على ما ينفعك» إشارة إلى أنه إذا تعارضت منفعتان إحداهما أعلى من الأخرى، فإننا نقدم المنفعة العليا؛ لأن المنفعة العليا فيها المنفعة التي دونها وزيادة، فتدخل في قوله: «احرص على ما ينفعك».

وقوله عليه الصلاة والسلام: «واستعن بالله»: ما أروع هذه الكلمة بعد قوله: «احرص على ما ينفعك»؛ لأن الإنسان إذا كان عاقلًا ذكيًّا فإنه يتتبع المنافع ويأخذ بالأنفع ويجتهد ويحرص، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه وينسى الاستعانة بالله، وهذا يقع لكثير من الناس، حيث يعجب بنفسه ولا يذكر الله – عزَّ وجلَّ – ويستعين به، فإذا رأى من نفسه قوة على الأعمال وحرصًا على النافع وفعلًا له، أعجب بنفسه ونسى الاستعانة بالله، ولهذا قال: « احرصْ على ما ينفعك واستعنْ باللهِ»، أي: لا تنس الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير، وفي الحديث: «ليسأل أحدكم ربَّه حاجتَه حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شِسْعَ نعله إذا انقطع»، يعني حتى الشيء اليسير لا تنس الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، حتى ولو أردت أن تتوضأ أو تصلى أو تذهب يمينًا أو شمالًا أو تضع شيئًا فاستحضر أنَّك مستعينٌ بالله عزَّ وجلَّ، وأنه لولا عون الله ما حصل لك هذا الشيء.

ثم قال: « ولا تعجز »، يعني استمر في العمل ولا تعجز، وتتأخر، وتقول: إن المدى طويل والشغل كثير. فما دمت صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه فلا تعجز.

وهذا الحديث في الحقيقة يحتاج إلى مجلدات يتكلم عليه فيها الإنسان؛ لأن له من الصور والمسائل ما لا يحصى، منها مثلًا طالب العلم الذي يشرع في كتاب يرى أن فيه منفعة ومصلحة له، ثم بعد أسبوع أو شهر يمل، وينتقل إلى كتاب آخر، هذا نقول عنه: إنه استعان بالله وحرص على ما ينفعه ولكنه عجز، كيف عجز؟ بكونه لم يستمر، لأن معنى قوله: «لا تعجزْ»، أي: لا تترك العمل؛ بل ما دمت دخلت فيه على أنه نافع فاستمر فيه، ولذا تجد هذا الرجل يمضي عليه الوقت ولم يحصل شيئًا؛ لأنه أحيانًا يقرأ في هذا، وأحيانًا في هذا.

ولهذا كان من هدي الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يبدأ بالأهم الذي تحرك من أجله، ولذلك لما دعا عتبان بن مالك الرسول صلى الله عليه وسلم، قال له: أريد أن تأتي لتصلي في بيتي؛ لأتخذ من المكان الذي صليت فيه مصلى لي، فخرج النبي – عليه الصلاة والسلام – ومعه نفر من أصحابه، فلما وصلوا، إلي بيت عتبان واستأذنوا ودخلوا، وإذا عتبان قد صنع لهم طعامًا، ولكن الرسول – عليه الصلاة والسلام – لم يبدأ بالطعام، بل قال: «أين المكان الذي تريد أن نصلي فيه؟» فأراه إياه، فصلى، ثم جلس للطعام. فهذه دليل على أن الإنسان يبدأ بالأهم، وبالذي تحرك من أجله؛ من أجل ألا يضيع عمله سدى.

فقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تعجزْ»، أي: لا تكسل وتتأخر في العمل إذا شرعت فيه، بل استمر؛ لأنك إذا تركتَ ثم شرعتَ في عمل آخر، ثم تركت ثم شرعت ثم تركت، ما تم لك عمل.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: «فإنْ أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أني فعلتُ لكان كذا وكذا». ويعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد، وتستعين بالله، وتستمر، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا؛ لأن هذا أمر فوق إرادتك، أنت فعلت الذي تؤمر به، ولكن الله – عزَّ وجلَّ – غالب على أمره ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]، ونضرب مثالًا لذلك: إذا سافر رجل يريد العمرة، ولكنه في أثناء الطريق تعطلت السيارة، ثم رجع فقال: لو أني أخذت السيارة الأخرى لكان أحسن، ولما حصل على التعطل. نقول: لا تقل هكذا؛ لأنك أنت بذلت الجهد، ولو كان الله – عزَّ وجلَّ – أراد أن تبلغ العمرة ليسر لك الأمر، ولكن الله لم يرد ذلك.

فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أُمِر ببذله، وأخلفت الأمور؛ فحينئذ يفوض الأمر إلى الله؛ لأنه فعل ما يقدر عليه، ولهذا قال: «إنْ أصابَك شيءٌ»، يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله – عزَّ وجلَّ – «فلا تقلْ لو أني فعلتُ لكان كذا كَذا».

 

وجزى الله عنَّا نبينا خير الجزاء؛ فقد بيَّنَ لنا الحكمة من ذلك، حيث قال: «فإنَّ لو تفتحُ عمل الشيطانِ»، أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلتُ لكان كذا. فلا تقل هكذا، والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.

ولهذا قال: « ولكن قلْ: قدَرُ اللهِ»، أي هذا قدَرُ اللهِ، أي تقدير الله وقضاؤه، وما شاء الله – عزَّ وجلَّ – فعله ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]، لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء، ما شاء فعل – عزَّ وجلَّ – ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى لا يفعل شيئًا إلا لحكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 30]، فبيَّن أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم، وكم من شيءٍ كره الإنسان وقوعه، فصار في العاقبة خيرًا له، كما قال تعالى:﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]،

فأنت إذا بذلت الجهد، واستعنت بالله، وصار الأمر على خلاف ما تريد، لا تندم، ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو، فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلم الأمر للجبار – عزَّ وجلَّ – قل: قدر الله وما شاء فعل.

ووالله، لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيرًا، لكن تجد الإنسان منا؛ أولًا: لا يحرص على ما ينفعه، بل تمضي أوقاته ليلًا ونهارًا بدون فائدة، تضع عليه سدي. ثانيًا إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع، تجده يندم، ويقول: ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح، فأنت أدّ ما عليك، ثم بعد هذا فوض الأمر لله عزَّ وجلَّ.

منقول بتصرف..

 

 

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

قطرات من فيض رمضان ( 2 )

    قطرات من فيض رمضان ( 2 ) ✍🏻 أحمد باحمادي.. أحبتي القرّاء الأكارم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *