الجمعة , مايو 3 2024

التبعية السياسية وأضرارها

 

التبعية السياسية وأضرارها

▪️مقال/ د.خالد باعلي

إنّ تقدم الأمم وتطورها دوما مرهون بمدى انفرادها وتحكمها بقرارها السياسي وبما يحقق مصالحها ويخدم حركة نموها الاقتصادي وذلك بناءا على خططها الاستراتيجية في جميع المستويات، ومما لا شك فيه عند سلبها هذا القرار تصبح التبعية السياسية، وهي درجات، الأمر المتاح لها مما يؤدي إلى عدم الاستقرار وتعطيل حركة البناء والتعمير والانطلاق نحو المستقبل واللاحق بالركب بسبب اختلاف رغبة المتبوع عن رغبة التابع والأمثلة على ذلك كثيرة لا يسعنا استعراضها حالة حالة، وحتى لا يتشتت ذهن القارئ سنحاول تسليط الضوء على كيفية أثر التبعية السياسية على مستقبل حضرموت والحضارمة، ومحاولة الآخرين إعادة الكرّة لاختطاف الوعي الحضرمي من جديد تحت مبررات جديدة.

والتبعية السياسية مصطلح ليس حديث عهد بالظهور فهو قديم منذ أن ظهرت نوزاع الشر لبني الإنسان ورغبته في الاستحواذ وكذلك في السيطرة والتحكم بالآخرين وسلبهم الحرية في الاختيار بما لا يخالف الفطرة السليمة، والتبعية في القرار السياسي ستؤدي بالضرورة الى التبعية في الاقتصاد والإدارة بمختلف مستوياتها كحتمية طبيعية.

ويروّج في أحايين كثيرة، بعض السياسيون للتبعية السياسية تحت مسميات وقوالب شتى حتى تكون مقبولة ومستساغة في ظاهرها لا جوهرها مستغلين حالة عدم الإدراك عند الجمهور بخطرها مستقبلا على الأجيال وذلك من أجل تحقيق مصالح ذاتية يرتجيها ذلك السياسي من المتبوع من خلال تصويرهم لها بأنها مرحلية وأمر لابد منه لبلوغ الهدف المرتجى لأننا نعيش في عالم لم نصبح بعد فيها من الأقوياء لنتحكم بقرارنا ولعل خير من يمثل هذا الاتجاه ما يعرف بكتلة الجامع والحلف من أجل حضرموت والجنوب والأحزاب السياسية اليمنية وآخرون أو أن الكثرة العددية لجهة ما نخشاها تبرر لنا الحاجة ان ننضوي تحت عباءة جهة ما حتى لا نلتهم وذلك لضعفنا وتفككنا وإن كانوا هم سبب ذلك التفكك أو إحدى عوامله ويعد المجلس الانتقالي الجنوبي خير مثال على ذلك.

ومع تسارع الأحداث بطريقة دراماتيكية تضمحل الرؤية عند الإنسان البسيط وربما كذلك يشمل المثقف والأكاديمي من حملة الشهادات العليا لتكالب الأزمات والصدمات فتستساغ معها التبعية السياسية لضبابية الرؤية على الرغم من الأضرار الجسيمة التي تحدثها التبعية في قوام المجتمع مستقبلا من خلال اختطاف القرار والسيادة وفقدان الهوية التاريخية وتزييف وتزوير التاريخ وتجييره لمصالحة الطرف المهيمن، وأضف الى ذلك بث روح الفرقة والصراعات الداخلية لأبناء الهوية الواحدة، ناهيك عن تعطيل حركة النمو الاقتصادي والتقدم لحضرموت الوطن وهو ما فعله الحزب الاشتراكي اليمني إبان حكمهم قبل عام 1990م.

وقد يشكل الأمر على كثير من الحضارمة من الفئة الصامتة والمتحركة التفريق بين مصطلحي التبعية والشراكة، ففي كثير من الأحيان وخاصة إذا ما دُثّرت التبعية بعباءة الشراكة دون الولوج الى التفاصيل والتي إذا ما نوقشت نزع دثار الواعظين عن الثعالب، لأن الشراكة تقتضي وضوح الرؤية بين الشركاء فيما تجب فيه الشراكة وما لا تجب، ويفضّل مكرسو التبعية عدم الخوض في ذلك النوع من النقاش ويعدونه تفاصيل مجلبة للشيطان، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل على حد قولهم وهي إحدى الحيل المستخدمة من قبلهم والتي قد تنطلي على البعض ممن ينشدون الخلاص بأي طريقة، وإن كان هذا الذي يظنونه خلاص ما هو إلا هروبا، سينحدر بهم الى ما هو أكبر مما هم فيه الآن مستقبلا.
أضف الى ذلك رفض الحديث عن الضمانات التي تضمن نجاح التجربة أو الشراكة إذا ما تنصّل إحدى الشركاء، وكيفية إدارة الصراع بين الشركاء إذا ما حدث وإمكانية فض الشراكة بأقل الخسائر الممكنة يعد مؤشر للنية المبيتة والغير حسنة، فمستقبل الأمم لا يمكن أن يترك لحسن النوايا تأخذه يمنة ويسرة.
وهذا يحدث على الدوام من قبل الطرف الأضعف في الشراكة ومن أمثلته جماعة الحوثي وفريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء عندما رفضوا المشروع الدولي المتمثل بالأقاليم الستة وتم اختطاف الدستور وبدأت الحرب، لكون حضرموت هي الأوفر حظ في النمو والاستقرار والتقدم والتطور والأمن والأمان بما تمتلكه من مقومات، وهو ما يؤهلها لما هو أكبر مستقبلا في ظل وجود النزاعات والصراعات بين قوى النفوذ اليمنية شمالا وجنوبا على الدوام. وما حرب الخدمات المفتعلة من قبل الحكومة الشرعية وربما جهات أخرى بحضرموت والتي ويتجرع مرّها الشعب الحضرمي اللذين هما بعيدين كل البعد عن دائرة الصراع إلا خير دليل على ذلك لينصب جل اهتمام الحضارمة وينحصر فيما يسد جوعهم فقط وهي الحاجة الأساسية في مملكة الحيوان وليس بني الانسان.

ومن وجهة نظري مع التأكيد على ما جاء أعلاه وفي المجمل، إنّ اشد درجات التبعية السياسية خطر على حضرموت ومجتمعها هي تلك المبنية على خلق جيل حضرمي مشوه الأفكار والثوابت عن حضرموت ولينشأ معه أجيال أخرى يكون له عقل سياسيا يلائم أهداف وسياسة المتبوع كما حدث بعد 1967م، فتصبح حركة ذلك الجيل الذي زرعت في عقولهم تلك الافكار والآراء والحلول أمرا حتميا للخلاص ويتوهمون أنها مستقلة عن أي مؤثرات خارجية وإن كانت في حقيقتها هي أفكار وثوابت متولدة من قبل المتبوع وآلته الإعلامية وإمكانياته المادية، ويصبح من الصعوبة بمكان عليهم التحرر من طوق هذه الثوابت والأفكار فكل عمل يؤدونه ينصب في مصالحة المتبوع، بل ويصبح عندها أي أفكار أو ثوابت أخرى تدعو للانعتاق وتحطيم تلك القيود هي أجندات خارجية تهدف إلى شق الصف وتأخير النصر وبعثرت الجهود، فتتم عملية الشيطنة لتلك الأفكار والثوابت والحروب الإعلامية ضدها مثلما حدث مع العصبة الحضرمية منذ أن أعلنت حقوق حضرموت وصوتها المستقل في لقاء القاهرة بالسفارة البريطانية منذ عام ٢٠١٢م والذي ثارت معه ثائرة أعداء حضرموت منذ ذلك الزمان وإلى الآن، وفي ذات السياق سيتم شيطنة أي فعل حضرمي خالص يظهر الصوت الحضرمي، وسيتم كيل سلسلة من الاتهامات له بغيت وأده في مهده ما لم يكن منصاع لثقافة القطيع المغيّب تاريخيا وسياسيا واجتماعيا وفكريا بالثوابت الحضرمية الحقيقية الخالصة التي ترفض التبعية لأي كان إلا لحضرموت.

وعليه يعد هذا النوع من التبعية السياسية الذي يعيشه الآن بعض أبناء الحضارمة هو الأشد خطورة على حضرموت وحقوقها المدنية، لأنّ معها تُنحر الأمة الحضرمية بأيادي بعض أبنائها دون وعي وإدراك وإن حدثت استفاقة فتكون معها عملية الإصلاح قد فات لحظتها وتدخل حضرموت في منزلق آخر قد لا نعلم متى نخرج منها مستقبلا ولن ينفع من كانوا السبب أن يندم على ما اقترفته أيديهم ولا البكاء على الأطلال والهوية الضائعة التي هي مصدر من مصادر قوتهم وعزتهم سابقا والآن ومستقبلا وليعتبروا مما حدث منذ 1967م إن كان لهم ألباب.

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني

  مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني بداية من لا يشكر الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *