الأحد , مايو 5 2024

استقــلال حضــرموت مطلب شعبي قديم يتجدد وما أشبه اليوم بالبارحة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

استقــلال حضــرموت

مطلب شعبي قديم يتجدد

وما أشبه اليوم بالبارحة

 

د. عبد الله سعيد باحاج

المكــلا

في 24 يونيــــو2011م

في العشرين من يونيو 2011م بدأ الموقع الإلكتروني ( المكلا اليوم ) بطرح استفتاء على زواره تضمن سؤالاً وثلاث إجابات يختار منها المستفتي إجابة واحدة. والسؤال هو :

ماذا يطلب أبناء حضرموت في المرحلة المقبلة؟

أما الإجابات المتاحة فهي :

1) أن تكون حضرموت ضمن دولة الجمهورية اليمنية .

2) أن تكون حضرموت ضمن دولة الجنوب .

3) أن تكون حضرموت دولة مستقلة .

وتوالت الإجابات من زوار الموقع لبضعة أيام حتى بلغ عددهم أكثر من نصف مليون شخص، والغالبية العظمى منهم من الحضارمة في المهجر والبعض منهم في الوطن. وهؤلاء يشكّلون نسبة كبيرة من سكان حضرموت في الخارج والداخل ممن يحق لهم التصويت عادة. والمدهش أن أكثر من (91%) منهم قد أجابوا بأن تكون حضرموت دولة مستقلة، وحوالي (7%) أن تكون حضرموت جزءاً من دولة الجنوب ، و(2%) فقط منهم بأن تكون حضرموت جزءاً من الجمهورية اليمنية. ولعل هذا يشير إلى رغبة عارمة لدى قطاعات واسعة من حضارمة المهجر والوطن بأن تكون حضرموت دولة مستقلة مستقبلاً إن شاء الله تعالى .

ومنذ حوالي نصف قرن وتحديداً في ربيع عام 1965م قدمت إلى حضرموت بعثة صحفية وإعلامية لمجلة (العربي) الكويتية. وبداية من العدد (79) الصادر في يونيو 1965م وعبر ثلاثة أعداد أخرى متتالية نشرت العربي ما وصلت إليه بعثتها الإعلامية هذه من خلال زيارتها الميدانية إلى حضرموت، وقدمت جملة من المشاهدات والانطباعات عن تلك الزيارة، وما أدركته من رسوخ وثبات وتماسك في الهوية الحضرمية ومدى اعتزاز أهل حضرموت بكونهم حضارمة. والمعروف أن هذه الزيارة قد غطت كل من المكلا عاصمة السلطنة القعيطية ثم سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية وكذلك كل من شبام وتريم .

وقد اتضح من هذه التغطية الإعلامية لبعثة العربي أن الغالبية العظمى من شعب حضرموت – إن لم يكن جميعهم – تواقون فعلاً وبشغف وبشوق إلى إعلان استقلال حضرموت، وفي دولة واحدة تضم أراضي كل من السلطنة القعيطية والكثيرية آنذاك والمعروفة والموثقة في الخرائط المتداولة حينها، وهم ينتظرون هذا الاستقلال بفارغ الصبر وبحسب الوعود الرسمية والمتكررة التي كانت تعطيها بريطانيا لحكام وأبناء حضرموت بتحقيق وإنجاز ذلك الاستقلال، وتطلقها علانية في وسائل الإعلام منذ أوائل ستينات القرن العشرين، أي قبـل اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م بسنوات،وهي الثورة التي لم تصل إلى أرض حضرموت إلا خلال عام 1966م، أي بعد ثلاث سنوات من اندلاعها .

وقد أشارت مجلة (العربي) وفي العدد (79) منها السابق ذكره وفي صفحة (79) منه إلى شكوكها في مصداقية هذه الوعود البريطانية باستقلال حضرموت من خلال عبارة (إذا صدقت الوعود، وحسنت النيات) . والمعني بها نوايا ووعود بريطانيا باستقلال حضرموت، خصوصاً وأن لبريطانيا سجل حافل في الذاكرة العربية بتراجع وعودها والتخلي عن عهودها، ومنها الوعد الذي أعطته للشريف حسين بن علي ملك الحجاز ودفعه للثورة ضد الأتراك عام 1916م نظير حصول العرب على حريتهم واستقلالهم من الاحتلال البريطاني في فلسطين وفي غيرها من بلاد العرب. وكانت النتيجة معروفة بعد ذلك بصدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م أي بعد سنة من ثورة العرب ضد الأتراك، ومن ثم تسقط فلسطين فريسة في أيدي الصهاينة. ولذلك خشى بعض الحضارمة من وعد بلفور آخر من بريطانيا يطيح بآمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم نحو الاستقلال والحرية. وهو للأسف ما حدث فعلاً وبأيدي حضرمية، وذلك حين مكنت السلطة البريطانية في حضرموت آنذاك ما كان يعرف بثوار (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل) من السيطرة على المكلا في 17 سبتمبر 1967م، ثم على سيئون في 2 أكتوبر 1967م. وسقطت بذلك السلطنة القعيطية والسلطنة الكثيرية، وتخلت عندئذٍ بريطانيا عن وعدها الصريح والمعلن رسمياً باستقلال حضرموت. أما بقية القصة فهي معروفة، حيث تم جرجرة حضرموت قسراً وعنوة إلى بقية أراضي الجنوب العربي ومن ثم إلحاقها بالضم الجبري بما عرف فيما بعد باليمن الجنوبية، ودون استفتاء من شعبها، ودون اختيار أو معرفة رأي أهلها لما يريدونه، وكأنهم قطيع من الأغنام يساقون إلى المذبح. وهو الأمر الذي لم تفعله بريطانيا في بقية مستعمراتها ومحمياتها وحيث كانت بريطانيا تعطي الفرصة كاملة لشعوب تلك المستعمرات والمحميات في الاختيار بين الاستقلال أو البقاء ضمن (التاج البريطاني) وهذا ما فعلته في الهند وباكستان وقبرص ومالطة ودول شرق إفريقيا وزامبيا وزمبابوي وبلاد الملايو وغيرها .

وكانت النتيجة على شعب حضرموت والذي لم يستشر في تقرير مصيره كارثة حقيقية. وهو لا يزال يتلظى بها إلى اليوم ويكتوي بسعيرها، لا لجرم أو لإثم ارتكبه، وإنما ضحية لخطيئة ارتكبت في حقه بلا ذنب أو جريرة. والمعروف أن حكام وأبناء حضرموت لم يسيئوا في تعاملهم مع البريطانيين خلال فترة الحماية البريطانية لحضرموت من عام 1888م إلى عام 1967م. وهذا ما كان يشهد به البريطانيون أنفسهم في أقوالهم وكتاباتهم وتقاريرهم، وأهمها تقارير وكتابات هارولد انجرامس المستشار البريطاني المقيم في حضرموت من عام 1935م إلى عام 1945م، وكذلك كتابات زوجة هذا المستشار، وغيرها من الكتابات والمؤلفات المنشورة. وهذا ما يجعل الموقف البريطاني من استقلال حضرموت عصي على الفهم، إن لم نقل أنه بمثابة الطعنة النجلاء والغادرة التي وجهت إلى صدر وقلب الأمة الحضرمية، والتي لم يكن لها ما يبررها، فلم يكن الحضارمة يشكلون خطراً على بريطانيا وطموحاتها لا في جنوب الجزيرة العربية ولا في الخليج العربي ولا في العالم بأسره. ولذلك لابد من تفسير علمي ومنطقي مقنع لهذا الموقف البريـطاني الغريـب، علماً بأن الجمعيـة العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في 5 نوفمبر 1965م قراراً برقم (2023) ناشدت فيه دول العالم بعدم الاعتراف بأي استقلال تمنحه بريطانيا لأقطار وشعوب منطقة جنوب الجزيرة العربية لا يستند على استفتاء عام حر ونزيه ووفق حق تقرير المصير. وذلك بناءً على توصيات لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار في جنوب الجزيرة العربية .

ولعل التحديات والعواصف والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي سادت المنطقة حينها والتي واجهت استقلال حضرموت آنذاك كانت دافعاً وليس مبرراً لبريطانيا لعدم الوفاء بتعهدها للحضارمة باستقلال وطنهم. ومن تلك التحديات والعواصف والتي لم تشر إليها مجلة العربي صراحة ذلك الموقف الغريب والإصرار العجيب من عدد محدود من الحضارمة على ربط حضرموت بالجنوب اليمني وليس بالجنوب العربي، بل أنهم كانوا يعتبرون ربط حضرموت بالجنوب العربي خيانة عظمى يستحق المنادي بها عقوبة الإعدام، وهم بذلك لا يرون استقلالاً لحضرموت إلا بجعلها جزءاً من اليمن وتحت مظلة (الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل) كما كانت تسمى. وبذلك أقصوا واستبعدوا كل التنظيمات والفعاليات والجهود التي كانت تدافع عن استقلال حضرموت بل وعن استقلال كل الجنوب العربي آنذاك بل وحتى من يطالب باستقلال الجنوب اليمني مثل (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل)، وكذلك أقصوا (رابطة أبناء الجنوب العربي) وكل الناشطين تحت مظلة (دولة اتحاد الجنوب العربي)، وكذلك العاملين لاستقلال حضرموت ضمن سلطنتيها القعيطية والكثيرية وغيرهم، فلا صوت يجب أن يسمع إلا صوت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل ومن يرد غير ذلك فيكون الرد عليه بالقتل والإعدام وأصبح الخيار العسكري والحل الدموي هو المتاح تماماً كما فعل حكام صنعاء والذين فرضوا بقوة السلاح وأسلوب الإعدام والموت كل من يرفض الوحدة معهم تحت شعار (الوحدة أو الموت). وإذا كان بقايا القوميين اليوم في حضرموت والجنوب العربي عامة يرفضون أسلوب صنعاء في الاستيلاء على أرضهم بالقوة المسلحة فقد كانوا هؤلاء القوميين هم من بدأ بشعار (أنا أو الموت) وطبقه على أرض حضرموت. وكما تدين تدان. فالحجة والمبرر والأسلوب الذي طبقه نظام صنعاء في الاستيلاء على حضرموت والجنوب العربي هو نفسه الذي طبقته فيما مضى الجبهة القومية في حضرموت والجنوب العربي .

ولا شك أن الحضارمة يرفضون الأسلوبين والطريقتين معاً سواء كانت من الجبهة القومية أو من حكام صنعاء. وكان الأنسب والأكثر رقياً وإنسانية وأخلاقاً وتوافقاً مع جوهر ومقاصد ديننا الإسلامي الحنيف هو قبول الآخر وعدم إقصائه أو إفنائه بالقوة الغاشمة. وقبول الآخر يعني الحوار معه بوسائل سلمية لا بلغة الرصاص والمدفع والدماء و ( الموت للجميع إلا من يقف معي ) .

ومما يؤكد شبهة المؤامرة على حضرموت واستقلالها خلال عامي 1966م و 1967م أن تواترت عدد من العمليات المسلحة في أراضيها وبعد مرور ثلاث سنوات من اندلاع الثورة في ردفان، وقبل سنة واحدة فقط مما سمى بالاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، مما يعني أن هناك ترتيباً إقليمياً ودولياً بدفع مجموعة الجبهة القومية لمنع استقلال حضرموت منفردة. وربما تكشف الوثائق التي لم يعلن عنها بعد أن هناك أصابع صهيونية في تمكين الجبهة القومية من السلطة على حضرموت وعلى سائر الجنوب العربي بعد أن قدمت هذه الجبهة ضمانات أكيدة بعدم المس بمصالح إسرائيل في المرور بمضيق باب المندب، وهو المضيق الذي تسيطر عليه جزيرة ميوّن والتي أصبحت تابعة لليمن الجنوبية فيما بعد. والمعروف أن هذا المضيق أهم بالنسبة لإسرائيل من قناة السويس لأنه يربط إسرائيل مباشرة بدول إفريقيا الشرقية وجنوب أسيا وشرقها ومن خلال ميناء ايلات المطل على خليج العقبة في البحر الأحمر، وذلك رغم الشعارات الطنانة والبراقة في أن اليمن الجنوبية كانت حصناً حصيناً للدفاع عن قضايا العروبة وفي مقدمتها قضية فلسطين، وكأن تحرير فلسطين لن يتم إلا بخيانة الجبهة القومية لقضايا شعبها ووطنها، وهو أمر متروك للتاريخ أن يقول كلمة الفصل فيه لما جرى في تلك الأيام السوداء من تاريخ هذه المنطقة المنكوبة بمثل تلك القيادات .

ولا شك أنه لأمر محيّر أن يقدم بعض الحضارمة – وهم ممن يعنينا أمرهم – على الإساءة إلى وطنهم حضرموت ممن شاركوا في مؤامرة الجبهة القومية على حضرموت بوعي أو بدون وعي، ومن ثم جرجرتها إلى اليمن الجنوبي في عام 1967م بدعوى الحرص على الاستقلال، ثم فيما بعد ما قام به بعض الحضارمة الذين شاركوا في المؤامرة على حضرموت بتمكين صنعاء من السيطرة عليها عام 1994م بدعوى الحرص على الوحدة. ولا شك أن العقلاء من هؤلاء القلة من الحضارمة – إن كان فيهم حقاً عقلاء – وفي الحالتين أي في 1967م و 1994م كانوا يدركون أن مبرر الاستيلاء على حضرموت بالقوة العسكرية لم يكن مقنعاً ولا صادقاً ولا حقيقياً، وإنما هو ستار من أجل السيطرة على حضرموت فقط ولا شيء آخر غير ذلك، فلا الاستقلال كان دافعاً حقيقياً ولا الحرص على الوحدة كان دافعاً حقيقياً كذلك تماماً ككل دعاوى المحتلين عندما يرنون إلى الاستيلاء على أرض ليست لهم، وكما تفعل إسرائيل اليوم بتبرير استخدام القوة لاحتلال أرض فلسطين العربية وكما فعل العراق في عهد صدام لاحتلال أرض الكويت. والفعل الشائن يكشف عن فساد ووضاعة الدافع إلى فعله .

وهذا ما دفعنا إلى البحث الجاد عن الخصائص والمكونات النفسية والعقلية والاجتماعية والأخلاقية التي دفعت هؤلاء الشرذمة من الحضارمة لتبرير غزو أرضهم واستباحة شخصيتها وطمس هويتها وتلويث تراثها بل والمس بأعراض نسائها بالانتهاك الفعلي أو اللفظي. والقصد من ذلك معروف هو انتهاك عرض الشخصية والهوية الحضرمية وليس انتهاك أعراض بضعة نساء هنا أو هناك. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل تطور إلى التنكيل بشعب حضرموت جسدياً ونفسياً وتنموياً ونهب ثرواته، حتى أصبحت حضرموت هي أفقر محافظة بالجمهورية اليمنية حسب التقارير الاقتصادية والاجتماعية الدولية بما فيها تقرير لجنة الأمم المتحدة لمسح ظاهرة الفقر في الجمهورية اليمنية والتي قدمت إلى هذه الجمهورية بدعوة رسمية من وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالجمهورية اليمنية، رغم أن حضرموت هذه والأفقر محافظة هي التي تزود حكومة الجمهورية اليمنية بأكثر من (70%) من دخلها السنوي. وهو عار وما بعده عار على ممثلي حضرموت في البرلمان وفي الحكومة وفي المجالس المحلية وعلى كل مسئول حضرمي يتباكى على أوضاع حضرموت ويدعي أنه حريص على سلامة أوضاعها وتنميتها، وكان الأحرى به أن يقول أنه حريص على سلامة أوضاعه هو وتكديس الأموال والعقارات له ولأقاربه أما شعب حضرموت والذي يرزح نصف عدده وكما يشير تقرير لجنة الأمم المتحدة في فقر مدقع فليس لهم إلا الله عز وجل ودعاء الصالحين والأتقياء وجهد المخلصين لإنقاذه من هذا الظلم الشائن .

وكما أشرنا سابقاً لابد من دراسة نفسية واجتماعية لحال هؤلاء الذي لا يتورعون عن بيع أرضهم وشعبهم ومستقبل أجيالهم رخيصة للحصول على امتيازات وعطايا مادية ومعنوية مهما علت وسمت فهي ملوثة بعار الخيانة والمذلة والهوان .

وقد حاولنا وضع تصوّر علمي أولي لجملة الأسباب التي جعلت هذه المجموعة المحدودة من الحضارمة يقدمون على مثل هذا السلوك الشائن في خيانة وطنهم وشعبهم، ووصلنا إلى أن هناك خمسة أسباب رئيسية تقف خلف سلوك هذه المجموعة من الحضارمة. وقد يجمع البعض منها على أكثر من سبب وهي كما يلي:

أولاً: الجهل بحقائق التاريخ والجغرافيا، حيث أن علاقة حضرموت باليمن هي (علاقة جوار وليست علاقة جذور). وقد فصّل غيرنا، وفصلنا نحن كذلك علمياً هذه العلاقة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من محاضرة عامة، وفي كتابات ومؤلفات منشورة. ومن يريد التحقق أو الاستزادة في ذلك فعليه بالرجوع إلى ما كتبه غيرنا في هذا المجال، وهم كثر والحمد لله من الأقدمين والأحدثين، وإن شاء يمكنه الرجوع إلى ما كتبناه كذلك .

ولا أجد غضاضة أو خجلاً في أن أقول أنني كنت في زمن ثورة الجبهة القومية في حضرموت فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر، وكنت متحمساً كغيري من فتيان المكلا لهذه الثورة، بل كنت مناصراً لها رغم أنني لم أكن عضواً منتسباً في خلاياها الطلابية أو الشبابية آنذاك. ولم أكن على دراية كافية بحقائق الأمور حينها وما يدبر من مؤامرة خطيرة على شعبي ووطني حضرموت، فقد كنت كأغلبية فتيان المكلا نجهل حينها الكثير عن تلك الحقائق. وعندما بدأ المسلسل الدموي العنيف، وسيطر الإرهاب والخوف على حياة الناس، وبدأت العمليات غير المبررة وغير المقنعة في القتل والإعدامات والاختطافات والحبس والتضييق على الحريات العامة الأساسية للمواطنين وتوالت عمليات تحطيم وطمس مكونات حضرموت في التراث والتاريخ والهوية منذ السابع عشر من سبتمبر 1967م حين استولت الجبهة القومية على المكلا أدركت حينها ورغم صغر سني آنذاك أنني أخطأت في مناصرة الجبهة القومية، وأنها لم تكن جديرة بهذه المناصرة، فسحبت مناصرتي لها، وإن لم أعلن ذلك لمن حولي من أقراني من فتيان وشباب المكلا لأنني فرد لا حول له ولا قوة، ولأنه ليس هناك مجال للتصريح بالمعارضة للجبهة القومية وإلا ستكون النهاية وخيمة عليك وعلى من حولك. ولا أدعي في هذا موقفاً بطولياً، وإنما كان موقفي حينها والرافض لسلوك وممارسات هذه الجبهة طبيعياً وتلقائياً بعد أن أحبطنا جميعاً في تحقيق ما كنا نصبو إليه من الثورة لتحقيق الاستقلال والاستقرار والحرية والعزة والكرامة. ولذلك فقد كان الجهل بحقائق الأمور سبباً مباشراً لا يمكن إغفاله في هذا المقام .

ثانياً: السذاجة والغفلة لدى البعض ممن شاركوا في أنشطة الجبهة القومية، فانجرف وراء سراب واسع من الشعارات البراقة، ودون أن يدرك خطورة ذلك على مستقبل حضرموت ومستقبل أجيالها القادمة، وخصوصاً بعد أن أتضح السلوك المشين والدموي للجبهة القومية منذ السابع عشر من سبتمبر 1967م، حيث استمر هؤلاء السذج في الارتباط بخلايا الجبهة القومية .

ثالثاً: الغباء وهي صفة يتسم بها البعض وتجمع بين مكونات نفسية وعقلية كثيرة في الشخصية الإنسانية، وغالباً ما تجمع بين السذاجة والحمق، ومن يتصف بذلك فهو بالتالي (غير لئيم)، لأنه ربما لا يدرك حقيقة ما يفعل. وأن أدرك حقيقة ما يفعل ووصلت إليه معلومات أو معرفة كافية فهو بالتالي ( لئيم وخبيث ) .

ولا شك أن لهذه الفئة القليلة من أبناء حضرموت ممن يتصفون بالأغبياء أو الحمقى أسبابهم الخاصة في الاندفاع لتأييد الجبهة القومية في ربط حضرموت بالجنوب اليمني وهي في معظمها أسباب شخصية انتقامية أو ثأرية أو تطلعية لمكاسب منتظرة، وقد يقف خلفها حادث ما أو وضع ما عانى منه اجتماعياً أو طبقياً أو اقتصادياً أو مناطقياً أو غير ذلك. ولا شك أن النتيجة المترتبة على موقف هؤلاء الأغبياء كانت وبالاً على حضرموت .

رابعاً: الأنانية والطموح الذاتي النفعي لدى أفراد من هذه المجموعة التي التفت حول الجبهة القومية بغية الوصول إلى السيادة والزعامة والكسب المادي والاجتماعي، لا عن استحقاق بعمل شريف أو كفاءة علمية مؤهلة، وإنما بوسائل وأساليب لا علاقة لها بالشرف أو الكفاءة .

ورغم أن هذه الزمرة من عناصر الجبهة القومية تتمتع بوعي كبير بحقائق الأمور، وأن حضرموت فعلاً لا علاقة لها باليمن لا عرقياً ولا تاريخياً، إلا أنهم أصرّوا على ذلك بغية تحقيق مآربهم الخاصة. وكانوا ينطلقون في ذلك من مقولة تدور في أذهانهم وحاولوا ترسيخها في أذهان غيرهم وهي (أن العالم يريد ضم حضرموت إلى اليمن)، وبالتالي فلا حيلة أمام الحضارمة إلا أن يكونوا يمنيين شاءوا أم أبوا. وقد تكفلت هذه الزمرة أو الشرذمة الواعية بحقائق الأمور والضالة عن المصالح الحقيقية لشعبها الحضرمي في تحقيق ذلك الهدف والقاضي بإنهاء مقومات هوية حضرموت التاريخية والاجتماعية والسياسية وجعلها جزءاً من اليمن، وعلى أهل حضرموت أن لم يعجبهم ذلك (أن يشربوا من مياه بحر العرب). وهذا يعني أن على الحضارمة أن يتجرعوا ما يتجرعه اليمنيون من بؤس وحرمان وفاقة وإذلال. وإذا نهض هؤلاء اليمنيون وتحسن حالهم فإن الحضارمة وبقلتهم العددية سيكونون خدماً وعبيداً ومطايا لهؤلاء اليمنيين .

خامساً: الانحراف عن الطريق القويم أخلاقياً ودينياً، وهي صفة اتسم بها بعض الذين شاركوا الجبهة القومية في أنشطتها في حضرموت، ومنهم من كان يجاهر بتعاطي الخمر، أو ارتكاب الزنا، أو الإفطار في رمضان، أو الامتناع عن أداء الصلوات، أو بالتصريح اللفظي والعلني بعدم وجود رب للعباد وأن الطبيعة هي التي خلقت كل شيء في السموات والأرض والعياذ بالله. ولو كان القات مسموحاً به حينها في حضرموت لجاهر البعض منهم بتعاطيه، رغم أن تعاطي القات منكراً وفعلاً مشيناً لا يقل أثره على الفرد أو المجتمع عن أثر الخمر وغيره من المنكرات. ولم يتعظ هؤلاء بمقولة ( إذا ابتليتم فاستتروا )، بل كانوا يصّرون على ارتكاب هذه الموبقات ويجاهرون بها، ودون حسيب أو رقيب عليهم لا من ضمائرهم ولا من السلطات المسئولة التي كانت تحكم حضرموت منذ السابع عشر من سبتمبر 1967م .

وللأسف بل وأنه لأمر مخزي وعار أن تجد هذه الفئة المنحرفة من البشر لها قبولاً وحضوراً في قيادات وقواعد الجبهة القومية في حضرموت. وعلينا أن نتصور بعد ذلك كيف ستكون المآلات المحتملة لشعب حضرموت المنكوب بمثل هذه القيادات والعناصر، وخصوصاً وهم يسوقون الناس سوقاً إلى ربط حضرموت باليمن من خلال ثورة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وذلك رغم يقيننا وإدراكنا التام بأن الثورة عامة هي فعل نبيل وضروري لتحقيق الأفضل وبوسائل فضلى ومشروعة وبأشخاص ليس بالطبع أن يكونوا ملائكة ولكن من الضروري ومن الواجب ألا يكونوا شياطين ومنحرفين .

هذه الأسباب الخمسة المذكورة آنفا ولا شك أن غيرها كثير مما لم يذكر وقد اكتفينا بأهمها وهي (الجهل والسذاجة والغباء والأنانية والانحراف) كانت أسباباً كافية جعلت قلة من أبناء حضرموت يندفعون تحت الشعار الزائف والمضلل بأن (حضرموت جزءاً من اليمن) ولإصابة أمتنا الحضرمية ووطننا الحضرمي بكارثة كبرى، تستدعي إنقاذه بكل جهد ممكن ومن كل قادر على فعل ذلك وبحسب ما يستطيع كل فرد القيام به، مع توخي أن يكون جهداً سلمياً بعيداً عن العنف أو الإرهاب وبعيداً عن الاستعلاء أو الاستعداء، فليس هذا أو ذاك من طبع أو خلق الحضرمي وهو الذي أنار بقاع كثيرة من العالم بسموا أخلاقه ورجاحة حكمته وصبره على الشدائد وعدم لجؤه إلى أساليب دموية أو غير شريفة .

وما يعاني منه شعبنا الحضرمي اليوم أن تلك الدعاوى التي انطلقت في أوائل الستينات من القرن العشرين والتي تقول باطلاً بأن (حضرموت جزءاً من اليمن) وتحقق منها ما تحقق على يد شرذمة من أبناء حضرموت تمثل صخرة لابد من انتزاعها في طريق حضرموت نحو الحرية والاستقلال. وإذا كنا فيما سبق قد حددنا خمسة أسباب لفعل تلك الزمرة من أبناء حضرموت والتي حددت مسير ومصير شعبنا الحضرمي خلال نصف قرن مضى فإنه للأسف نرى أن ذلك الاندفاع الأعمى لربط حضرموت باليمن قد وجد استجابة وربما (مطية) لقوى إقليمية ودولية كانت تنشد مصالحها المعروفة. وكان الضحية في ذلك هو شعب حضرموت ومستقبلها وحرمان أجيالها القادمة من فرصة للعيش الكريم والمستقر وكما ينعم به جيراننا من عرب الخليج والذين استطاعوا أن ينالوا استقلالهم وبحكامهم في العهد البريطاني ولم يخوضوا ثورة عمياء مثلنا أكلت الأخضر وتركت اليابس فزاد اليابس يبوسة وجفافاًً .

ومن المؤسف حقاً أنه لا يزال يدور في أذهان فئة من أبناء حضرموت ممن يسمون أنفسهم بنخبة حضرموت ومثقفيها ومتعلميها وأكاديمييها ورجالات القوم فيها من محاولة لربط حضرموت مرة أخرى باليمن أو بالجنوب العربي، وكأنه قدر على حضرموت أن تكون تابعة لا حرة مستقلة. ومع أننا لا نشك مطلقاً في القدرات العلمية والعقلية لهذه النخبة من أبناء حضرموت، ولكننا نشك فعلاً في قدراتهم الاستيعابية لما يحتاج إليه الوطن الحضرمي ويبدو أن لهؤلاء قصور في الشعور بما يريده المواطن الحضرمي منذ نصف قرن وهو الاستقلال والحرية ولا شيء غيرهما. وإذا كانت هذه النخبة تدرك فعلاً أن المواطن الحضرمي يريد الاستقلال والحرية وتتغافل عنه لمصلحة خاصة بها فهذه قمة الأنانية. ولا شك أن المواطن الحضرمي البسيط ومهما كانت درجة تعليمه إلا أن وعيه بما يدور حوله عالياً. وهو يعلم أن هناك نخبة من أبناء شعبه يحلو لها أن تبيع قضاياه ومصيره ومستقبله مقابل امتيازات ومغانم مهما سمت وعلت فهي ملوثة بالخزي والعار، وهي ثمن بخس لا يليق بتضحيات شعبنا الحضرمي منذ نصف قرن من الزمن ومطلبه الثابت في الحرية والاستقلال، فما أشبه اليوم بالبارحة .

وليس في دعوتنا اليوم لاستقلال حضرموت نزعة انفصالية كما يروج الجاهلون بحقائق الأمور أو أصحاب العقول والنفوس المريضة أو ذوو المآرب المادية المعروفة، فنحن كحضارمة لم نكن في يوم من الأيام يمنيون حتى نكون انفصاليين. وإنما هي دعوة صادقة لاستعادة حق سلب منا منذ نصف قرن، وعلى حين غفلة منا، وعلى أيدي شرذمة ضالة أو مضللة تنشد مصالحها الذاتية والأنانية على حساب شعبها وبني جلدتها، والتي وقعت في خطأ بل في خطيئة تاريخية عظمى تحمل شعبنا الحضرمي معاناتها وأوزارها خمسة عقود من الزمن، وعلينا أن ننظر إلى طلبنا في الاستقلال على أنه حق شرعي لابد من استعادته بلا استجداء أو توسل أو طلب مكرمة، وذلك تصحيحاً لفعلة شائنة أقدم عليها نفر محسوب علينا أنهم حضارمة بوعي منهم أو بدون وعي، وهو كما قلنا مطلب شرعي وشعبي، تماماً كما طلبت الكويت في عام 1961م استقلالها رغم معارضة العراق زمن عبد الكريم قاسم وعدم موافقته على هذا الاستقلال، وكذلك طلبت البحرين استقلالها في عام 1971م رغم معارضة إيران زمن الشاة هذا الاستقلال. كما أن موريتانيا طلبت استقلالها وحصلت عليه عام 1960م رغم معارضة المغرب لهذا الاستقلال. أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد ظهرت كدولة مستقلة عام 1971م من أراضي ومشيخات كانت تسمى (إمارات ساحل عُمان المتصالحة) بالنظر إلى العلاقات التاريخية والبشرية التي كانت تربط هذه الإمارات بعُمان. فهل كانت هذه العلاقات بين عُمان والإمارات عائقاً أمام استقلالها؟. وهل اللبنانيون انفصاليون لأنهم طلبوا أن يكون لهم كياناً سياسياً خاصاً بهم مما كان يسمى بالمملكة السورية التي أقامها الملك فيصل بن الحسين ثم خضعت للانتداب الفرنسي منذ عام 1918م، وتحقق للبنانيين استقلالهم عام 1943م وقبل أن تنال سوريا نفسها استقلالها عن النفوذ الفرنسي بثلاث سنوات. كما أن أهل السودان سعوا إلى فك ارتباطهم عن مصر عام 1956م ونالوا استقلالهم باسم جمهورية السودان، ثم سعى أهل جنوب السودان إلى فك ارتباطهم من الخرطوم وسينالون مبتغاهم في الاستقلال في 9 يوليو 2011م . وكذلك عمل البنغاليون (سكان باكستان الشرقية) لنيل الاستقلال عن حكم (باكستان الغربية) وكونوا دولة بنغلادش فهل هؤلاء البنغاليون انفصاليون ومرتدون عن الدين الإسلامي. ثم ماذا عن جيبوتي وأهلها الذين آثروا أن يشكلوا دولة لا تمت بصلة إلى الجذور الصومالية لأكثر من نصف سكانها وجميعهم مسلمين فهل هؤلاء كفرة مرتدين لأنهم طلبوا الاستقلال والحرية بعيداً عن الجذور العرقية المؤذية. ولا ننسى في هذا المقام ما سعى إليه أهل كوسوفو والغالبية العظمى منهم ألبان، حيث استطاعوا إقامة دولة أو جمهورية كوسوفو ولم يطلقوا عليها (ألبانيا الشمالية) أو (ألبانيا الديمقراطية). ثم الاريتريين الذين ناضلوا لانتزاع حريتهم واستقلالهم من أثيوبيا التي حاولت طمس هويتهم الحضارية والثقافية والتاريخية. وكنا في (اليمن الديمقراطية) نشجع ونساعد بالقوة العسكرية والدعم المادي والمعنوي على استمرار احتلال أثيوبيا لاريتريا وكنتيجة مباشرة لسلب حريتنا واستقلالنا وارتهانها بقوى خارجية أي بالمعسكر الاشتراكي وخصوصاً الاتحاد السوفيتي وهو الذي أقدم على احتلال شعوباً وأمماً وإخضاعها بالقوة المسلحة لحكمه ومنها دول البلطيق الثلاث استونيا ولاتفيا وليتوانيا وكذلك شعوب القوقاز وأسيا الوسطى. وعندما أنهار هذا الاتحاد السوفيتي عام 1991م نالت هذه الشعوب استقلالها، أما نحن فقد أدى التهور السياسي بنا إلى الوقوع في مأزق أشد خطورة وهو الولوج في مصيدة (الوحدة) والتي يحلو للبعض بتسميتها (الوحلة) .

وعليه فليس كل طالب حرية واستقلال هو مرتد عن الدين وانفصالي، وإلا فإننا سنجعل غالبية الدول العربية والإسلامية وغيرها اليوم في خانة (الدول الانفصالية)، من فيها الدول التي ينتمي إليها أصحاب هذا الرأي الضعيف والفكر الساذج والسطحي. فالمعروف أن المملكة المتوكلية اليمنية التي ظهرت في عهد الإمام يحيى حميد الدين عام 1918م قد قامت بحركة انفصالية لتأسيس هذه الدولة عن جسم دولة الخلافة العثمانية آنذاك. وقبل أن يلغي كمال أتاتورك دولة الخلافة العثمانية بحوالي خمس سنوات. وكذلك فعلت مصر في عام 1919م والعراق عام 1920م وهما أعلنتا استقلالهما أو انفصالهما – إن شئت – عن الدولة العثمانية. وكذلك انفصلت سوريا عن مصر عام 1961م. وكأننا نقول في النهاية أن تاريخ الثورات والاستقلال إنما هو تاريخ انفصالي. ولا شك أن ذلك يعتمد على معنى كلمة استقلال أو انفصال في ذهن كل منا. ولا نشك أن كل حركة انفصالية هي حركة استقلالية وليس بالضرورة أن تكون كل حركة استقلالية هي حركة انفصالية. وعلينا بعد ذلك أن ننظر إلى جنسية من يتهمنا نحن الحضارمة بأن لدينا نزعة انفصالية وسنجد أن هذا الذي يتهمنا وخصوصاً العربي منهم قد سبقنا هو وشعبه إلى الانفصال عن دولة إسلامية كبرى كانت تسود العالم الإسلامي، أو عن دولة عربية ارتبط فيها بوحدة ولم تعجبه، أو أنه رأى أنه من الأفضل له ألا يكون وحدوياً إلا بمقدار النفع المتبادل مع الآخرين من خلال التكامل والتعاون والتعامل الإنساني المثمر، وبعيداً عن الهيمنة السياسية وفكرة الفيد والاستغلال المقيت والاستعلاء الكاذب وعودة الفرع إلى الأصل وكأن الفرع ينبغي عليه أن يكون عبداً للأصل يستباح دمه وعرضه وماله بفتوى شرعية الهوى والمقصد ولا تمت للدين بصلة وغيرها من المقولات التي تجعل من طلب الحرية والاستقلال والجهاد في سبيلها ركناً فعلياً من أركان الدين الإسلامي الحنيف، لا كما يروج له السفهاء من أن العبودية في الوحدة وقبولها والرضاء عنها بل وواجب الدفاع عنها حتى وأن احتوت هذه الوحدة على كل أصناف الاذلالات المهينة للبشر هي ركن من أركان الإسلام، وذلك لأن ثمن الحرية والكرامة والانعتاق من هذا الظلم الوحدوي – في رأيهم – أشد خطراً على الأمة والفرد من التمتع بنعيم الظلم والعبودية تحت المظلة الوحدوية .

ولقد شاءت إرادة الله عز وجل ولا مرد لمشيئته – ولعله ابتلاء من المولى تبارك وتعالى – أن نحرم من تحقيق استقلالنا ويمنّ به الله عز وجل على جيراننا من أبناء الخليج العربي الأعزاء، ولنا بهم ومعهم خير جيرة عرفناها في تاريخنا الطويل. ولعل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لنا الفرصة في زمننا أو في زمن أولادنا وأحفادنا للاستقلال مستقبلاً، فهذه حكمة الله ومشيئته ولا مرد لمشيئته، وما علينا إلا السعي الصادق والجاد والمخلص للوصول إلى هدفنا أن كنا حقاً نبتغي ذلك. وعلينا أن نتجنب كل ما يقال ويعترض طريقنا تحت شعار (استحالة تحقيق الاستقلال لحضرموت)، لا عن استخفاف بذلك أو استهانة به وحيث أننا ندرك جملة المعوقات التي تقف في سبيله، ولكننا نؤمن بعون الله عز وجل لنا في ذلك، ونعتمد على إيماننا المطلق بشرعية وعدالة مطلبنا وبأن حضرموت ليست من اليمن لا من قريب ولا من بعيد وأن علاقتها باليمن هي (علاقة جوار لا علاقة جذور). فمن الأصوب أن تقر صنعاء كذلك بأن حضرموت ليست من اليمن، وأنه من الأصوب إطلاق سراح حضرموت من هذا الأسر اليمني الذي وضعت فيه بمؤامرة بين ليلة وعشية، اللهم إلا إذا كان الحرص على الإمساك بحضرموت ليس من قبيل الحقوق التاريخية وإنما من قبيل الفرصة الذهبية للحصول على الثروات المعروفة والغير معروفة في أراضي حضرموت .

ونسأل الله عز وجل وهو أعز من يسأل أن يهيئ لنا في حضرموت (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).. رجال أوفياء ومخلصين أتقياء لا ينتظرون ثناءً أو جزاءً إلا من المولى الكريم سبحانه وتعالى، وهو العالم بالأنفس والضمائر، وما تحويه من خير وضر، حتى يحققوا للشعب الحضرمي المغلوب على أمره ما يتوق إليه منذ نصف قرن من حرية وكرامة وعزة وحسن معاملة وفي ظل دولة مستقلة غير متجبرة، تصون وتحمي الضعفاء قبل الأقوياء، وترفع من قدر العمل الشريف من كل فرد بلا قبلية أو طبقية أو مناطقية بغيضة وممقوتة، فلا مقام في الدولة الحضرمية المنشودة إلا للعمل الجاد والمثمر والذي ينفع الناس في الأرض، ويرتفع أجره إلى الله عز وجل في السموات العلى. وحسبنا من ذلك أن هذه هي رسالة حضرموت الخالدة على مدى العصور والسنوات المتوالية، وهي التي أحسنت برجالاتها إلى أمم وشعوب شتى لا تزال في أذهانهم أن حضرموت وقد جعلها المولى عز وجل خالدة بخلود اسمها الذي جاوز الخمسة آلاف عام وجعلها كريمة برجالاتها وأفراد شعبها وعزيزة بماضيها وتراثها، لا شك في أنها جديرة وبعونه تعالى بأن تكون سعيدة ومستبشرة بمستقبلها، وليعم الخير لأبنائها وأحفادها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني

  مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني بداية من لا يشكر الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *