الجمعة , مايو 3 2024

الحكم علي بن صالح بن ثابت النهدي ..ذكريات ومواقف

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى وصلى الله على النبي المصطفى ……….. ثم أما بعد .

 

كتابة ما اذكره من سيرة عطرة وعلى ضوء ما تسعفني به ذاكرتي عن شخصية فذة زرعت لها في مكانتها ومقامها في ذلك الحين وإلى وقتنا الحاضر. …. وبالرغم من أني لم أعاصر تلك الشخصية في نبوغي بل حين كانت في أوج عظمتها كنت أنا فتى يافع ولعلي وعيت على الدنيا على أمجاد ( الحكم علي بن صالح رحمه الله وإني في الثانية عشرة من عمري … لكنني ساعتها.. وقبل أن أفسح المجال لذاكرتي بالاسترسال في الذكرى أود أن أنوه للقارئ الكريم إن الحكم علي بن صالح بن ثابت اُختطف غدرا من داره قبل أكثر من ثلاثين سنة على أيدي من هم من أرذل القـوم وأحقرهم ومات لديهم الوازع الديني وأعلنت وفاته غيبيا بعد ذلك فرحمة الله على الحكم علي بن صالح ..

 

وحين ابدأ في سرد حياة ذلك الرجل العظيم … قد استهل بدايتي بوصفه كما انطبع في أعماق ذاكرتي… أني وحين أمسكت قلمي أنار ضوء في أعماق ذكرياتي حين استحضرت صورته، لقد كان رحمه الله قـوي الجسم أمتنه ،، كان على جسده برص يزيده بها جمال، أردت أن أحمل هذه السطور أمانة حملتها أنا بناء على طلب بعضهم في إن البرص لم يقبح من منظره كما غيره من الناس ، بل لعل ما كانت عليه شخصيته من الوقار والهيبة وقوة في الحضور ما يجعل من ذلك المرض ميزة لا عيب…

لقد كان رحمه الله اجتماعي جدا حيث كان يقضي فترات نهاره إلى ساعات من الليل في مجلسه ،، مجلس واسع كبير خصص لضيوفه ورفاقه وساسة القوم يقال له أم.. الأربعة مجلس أي اربع سواري ولقد طرب العديد من الشعراء في وصـف

الحكم ووصف مجلسه الموقرة ،، قد يحضرني بعضه ، لعل ابرزما قاله الشاعر الكبير محمد صالح باحفي رحمه الله . .. حيث قال

في قصيده مدح تقرأ الأربعة فيها كل معاني الصدق ، وليس الشعر لمجرد الشعر فقط…

 

ثم إن الحكم علي بن صالح وقد كان يكنى أبو نهد كان ذو كلمة نافذة على قومه بل إن من سلطته إن يصل إلى ساسة الحكومة القعيطية آنذاك وقد كان يرحمه الله من ذوي الأملاك ومن أوائل من امتلك السيارات ……

أتذكرانه كان لديه سيارة أو اثنتين جيـوب ولز،، يتراءى لي الآن وأنا أدون كلماتي الحكم راكبا سيارته مائلأ بها جهته لضخامته رحمه الله ،، واری هیبته تسلب الناظر إليه…

 

لقد كان منزله يعد قصرا من القصور حيث كان محاطا بحوش كبير يضم إلى جوار القصر بئرا ومسجدا للصلاة، كان المجلس الذي ذكرناه أنفا كبيرا واسعا تكاد لا ترى الجالس في آخره ، وكان الحكم يجلس على يمين الداخل في أقصى المجلس ظهره إلى الجدار ووجهه الى الجموع الموجودة وكان مجلسه لا يكاد يفرغ حتى يمتلئ مرة اخرى….

ولقد كان يرحمه الله بالغ الكرم ، تمتد في منزله موائد الغداء والعشاء بأصناف اللحوم والمرق والبر وكان الجالس في ذاك المجلس يسمع صوت الرحى وهي تطحن الحبوب على مدار الوقت لان في ذاك الزمان لم يكن يوجد فيه طواحين….

كان شديد التواضع يتناول طعامه مع من حضر مجلسه إن كان شيخا او من عامه الناس ،، كان يستمع إلى الشكاوي والدعاوي ويصلح فيما بينهم البين ،، وداره مأوى لعابري السبيل، كان للحكم أملاك في وادي العين لكنه بحسب ما اذكر لم يزر وادي العين الا مرة واحدة قاصد عند والدي لزيارة له ،، ولعلي هنا انوه للقارئ الكريم إني اسرد وقائع اذكر بعضها ورويت لي

من والدي ومقربين عاصروا الحكم رحمه الله .

 

لقد ذكرلي والدي أن عمه ابوبكر بن سالم أرسله ليتلقى العلم مع الحكم في بلده القارة، لأن الحكم كان يتلقى علمه على أيدي أساتذة من تريم ، وكان اذا اعتدى عليه الحكم يعاقب من ذويه..الله ما اعدل هذه الأسرة .

 

وفي موسم الخريف في وادي العين من ذاكرتي يحضرني ان اخوان الحكم كانوا يأتون إلى وادي العين عطر الله ذكرهم منهم عمر بن صالح وسالم بن صالح ومعهم برفقتهم صالح بن مبارك وسالم بن مبارك بن سنكر الذي كان يحي معهم ألـوان

الغناء تحضرني كثيرا ليالي الغناء والسمر التي كانوا يحيونها و انطبعت في ذاكرتي فيعيدني الى ذاك الزمن الجميل…. الذي لن يعود….

 

ولأسترسل في ذكرياتي ،،، أتذكر بان والدي أرسلني إلى بلده القارة ولقد ارتحلت إليها على ظهر حماري ،، امشي به الخيلاء وكأني امتطي أفخم المركبات ،، ففي ذالك الوقت حتى الدواب لم يكن يمتلكها كل عامة الشعب إلا من تيسر حاله قليلا … وعزمت الرحيل ولا اعرف الطريق وكنت اسأل المارة حتى صادفت احد ابناء الحكم … ووصلت دار الحكم ودخلت في مجلسه بالقارة ، والرهبة تغشاني من عظمه الجالس هناك ومن حوله من الجالسين الذين يفوق عددهم الأربعين شخصا ،،

أشار إلي الحكم فدنوت منه مرتبكا وقلت له أنا ابن محمد بن عبـود فـقـال لي أرحبت يا بن محمد بن عبود وأجلسني بجواره.. بدأ ارتباكي يزول تدريجيا وبدأت الغبطة تتسلل إلي وانتظرت حتى خفّت جموع الجالسين فدنوت من الحكم رحمه الله و همست له ، والدي يقرأك السلام ويقول لك بأنه يريد برلكن ليس لدينا مال في الوقت الحالي، فضحك الحكم وقال ابشر يا ابن محمد بن عبود وقل لوالدك لا يهتم بالمال ولا يذكره.. ثم نادي أحد خدمه وأخذني ذالك الرجل وكان يدعى رزق ونزلت معه درجات المنزل حتى وصلنا الى غرفه مخصصة للحبوب لما شاهدت من أكوام الحبوب هناك فأعطاني الرجل شـوال حبوب كبير حملته وأنا أطير من الفرح عائداً إلى والدي…

رحمك الله يا أبو صالح كان شديد الكـرم ، واسع الحكمـة سـديـد الـرأي … هذه احد المواقف التي جمعتني بالحكم رحمه الله وجها لوجه ،، اذكرها وكان السنون وقفت وكأني أرى تلك الدار العامرة وأسمع أصوات الجالسين في ذلك المجلس وأكاد أرى تقاسيم وجه الحكم رحمه الله …..

 

لي ايضا موقف آخر جمعني بالحكم علي ، حين عزمنا السفر أنا وأخي عبد الله الى المملكة العربية السعودية ،، أوصانا والدنا إذا واجهتنا مشاكل في دائرة الجوازات بأن نلجأ الى الحكم علي رحمه الله….

وحين وصلنا المكلا وذهبنا إلى دائرة الجوازات أوقفت معاملاتنا لصغر أعمارنا ومباشرة لاحـت لـنـا وصـيـة والـدنا ، فاتجهنا للحكم علي في دارين کوبر فوجدناه جالسا مع جملة من أصحابة فدنوت منه في خجل واستحياء وارتباك وهمست له ..أنا ولد محمد بن عبود وقصصت له ما حصل معنا في دائرة الجوازات ،، وكان الوقت حينها تعدى الظهيرة بقليل فأجلسني رحمه الله وقال لي تغد أولا يا ولدي!! قالها بطريقة أثلجت صدري و أبردت لواعج همي وقلقي …

 

إني وأنا أكتب هذه المذكرات تسيل عبراتي حين أتذكر الحكم علي وأتخيله وكأنه أمامي وأكاد أسمع نبرات صـوته الرخيمة الهادئة تنسل إلى أوتار سمعي فتهيج الحزن لفراقه .. واني لأدعو الله على من تسبب ببعده كل حين…

لأنه وبجداره علم من أعلام تاريخ هذا البلد ورمز ناجح نحت بتواضعه وحلمه وحكمته تمثال في صدور كل من عرفوه ،

ولعلكم تلمسون دماثة أخلاقه بين السطور فهذا تعامله مع فتى في الثانية عشره من العمر!!

ولأكمل بقية القصة طلب منا الحكم علي أن نأتيه في اليوم الثاني فذهبت إليه وأخي فاصطحبنا بنفسه إلى دائرة الجوازات والـدهشة تملئني وأخي لشـده تـواضـعه واصطحابه لنـا بنفسـه، لكـن هـذه أخلاقـه رحمه الله ، وحين وصلنا دائـرة الجوازات قام الكل تحيّة له واحترام فتكلم مع المسؤولين في الدائرة بخصوصنا وفي اقل من ساعه كنا تحمل جوازينا بأيدينا …

 

كم تمنيت ان اعاصر رجلا عظيما كالحكم رحمه الله لأكتب عنه واعدد للتاريخ مناقبه ليفخر بها لكن هكذا شاء القدر وهذا ما استطعت رصده من ذاكرتي ، وقد يتسنى للقارئ ان يعرف مناقب هذا الرجل العظيم بأن يقرأ عنه ولو القليل ليؤمن بأنه كان من الرجال الذين لا يتكرر مثلهم في التاريخ ….

 

أريد أن أضيف بأنه كان لدى الحكم رحمه الله بجانب سياسته وحنكته القبلية جانب أدبي ثري بالشعر فقد كان يقول الشعر رحمه الله لكني للأسف لا املك مستندات شعرية تخصه لكني سأبحث حتى أجد له ما ينشر بإذن الله.

 

اكتب هذه المذكرة وأنا في الخامسة والستين من عمري وهكذا الدنيا كل من عليها فان .

 

أنوه إلى أن علاقتي بأولاد الحكم وأخوته لم تأخذ الشكل المطلوب وذلك بسبب سفري وسفرهم أيضا فكل واحد منا ذهب وراء رزقه ، وفرقتنا الأيام ، لكن المحبة باقية في القلب ونحمل لبعضنا كل المودة والتقدير.

 

أتمنى أن أكون بما كتبت نشرت جزء بسيطا من شذى وعطر ذكرى ذاك الرجل العظيم وقد مضى على رحيله زمن ليس بالقليل لكنه لم يمت في قلوبنا ووجدان عقولنا وما زال حاضـرا بـقـوة وما زال صوته يصدح في أعماقنا فرحمة الله عليك

يا أبوصالح وتغمد الله روحك فسيح جناته …….

سيبقي الزمن يلعن من قام بخطفه عبر الأجيال والأجيال القادمة ،،، وبشر القاتلين بالقتل ولو بعد حين…..

 

أخوكم الفقير إلى الله /

سالم محمد عبود الحرف باوزير

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني

  مغالطات غريبة في حساب اللواء الركن فرج سالمين البحسني بداية من لا يشكر الناس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *