الأحد , مايو 5 2024

قائد قبلي يحفظ عهده لخصومه ويقول للسلطان لو أعطيتني جبل ذهب لن أخرم ذمتي !

( مواقف بطولية لرجال من حضرموت 3 )

من المواقف البطولية العظيمة التي خلدها التاريخ الحضرمي في حفظ العهد واحترام الكلمة بين الخصوم ، والوفاء بالعهود بين الأعداء قبل الأصدقاء مع رفض للمغريات والمطامع المادية موقف بطولي للشيخ سالم أو علي بن يحيى بن علي بن جابر

وتتجلى البطولة في هذا الموقف باحترام الشيخ المذكور لكلمة قالها لخصومه وحفظه للعهد مع إن دواعي نقضه كانت كثيرة فقد طلبه السلطان القعيطي بأن يتخلى عن عهده ويعطيه ما يتمنى مقابل ذلك ، لكن أبت عليه شهامته أن يغدر بمن رضوا واشترطوا أن يكونوا في وجهه دون غيره مقابل الخروج بأسلحتهم لبلادهم بعد حصار وقتال مستميت

والموقف البطولي هذا ذكره بن عبيدالله في كتابه إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت في الصفحة ٢٢٠ حيث يقول : وممّا يستحقّ الإعجاب ، ويشنّف الأسماع وينفخ الأنوف : أنّ آل كثير والعوالق والكساديّ حاولوا الهجوم على الشّحر في سنة (١٢٩٠ ه‍) بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ، ونزلوا شكلنزة ، وفي اللّيلة (٢٣) من شوّال من تلك السّنة اجتمع ملؤهم في دفيقة ، فنازلتهم ثلّة من عسكر الشّحر لا تزيد عن أربع مئة مقاتل ، فانسحب جند العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلى المشراف ، وهنالك التحم الحرب واستحرّ القتل ، وجاءت الأمداد اليافعيّة من الشّحر ، ولم يبق بيد العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلّا داران في دفيقة ، ولما دارت الدّائرة عليهم ، وانهزم آل كثير هزيمة منكرة .. انحصر من بقي منهم بداري دفيقة ، ثمّ انهزم أحد الدّارين وأخذته يافع عنوة ، وكان في أسفله كميّة وافرة من البارود ، ففتح أوعيتها أحد عبيد العوالق ، وربط بها حبلا من الفتيل ، وأشعل فيه النّار مع هربه ، فلمّا انتهت إليه .. انفجر ، فسقط الدّار على من داخله من عسكر القعيطيّ ويافع ، وقويت نفوس آل كثير ومن معهم المحصورين في الدّار الثّاني ، وجدّوا في الدّفاع والاستماتة حتّى تواضعوا مع القعيطيّ على أن يخرجوا بالشّرف العسكريّ في وجه سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، أو عليّ بن يحيى .. إلى آخر النّسب.

ولمّا خرجوا .. إذا هم أفلاذ كبد حضرموت ، وأعيان الدّولة آل عبد الله ، وآل كثير ، والعوامر ، وآل جابر ، الّذين لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعدها لو استأصلوهم أبدا. عند ذلك حاول القعيطيّ إرضاء سالم أو عليّ بن يحيى بما يتمنّى ، على أن يخيس بعهده ويتركهم له ، فقال : (والله ، لو أعطيتني جبلا من الذّهب .. لن أخرم ذمّتي ، ولن أسوّد وجهي) ، فبلّغهم المأمن كراما وهو رافع الرّأس

فمثل هذه الأكرومة ينبغي تكريرها في المدارس القعيطيّة ؛ لما فيها من الشّرف المخلّد ، والمجد المتلّد الّذي يسوّغ لآل عليّ جابر أن يتمثّلوا بقول حبيب :

لولا أحاديث سنتها أوائلنا
من العلا والوفا لم يعرف السمر

انتهى كلامه

*وبطولة هذا الموقف لا تتجلى في مجرد حفظه للعهد الذي قطعه لرجال الدولة الكثيرية المحاصرين والمستبسلين بل لرفضه طلب السلطان القعيطي الذي كان شديد الحريص على أن ينقص العهد لأنهم صفوة خصومه ورجالات عدوه اللدود السلطان الكثيري ، ومع ذلك أقسم بن علي جابر بأنه لن يسود وجهه لو يعطيه جبل من ذهب !*

وهذا يدل على عظمة هذا الرجل صاحب المبادىء ، فربما لو كان غيره لوجد فرصة الانتقام من خصومه الذين قتلوا من رفاقه عدد عندما دخلوا الدار وأحرقها أحد جنودهم عليهم ، وربما سيجد من يبرر له هذا ممن هم معه لأنهم قتلوا من رفاقهم في الحرب ، وكذلك السلطان القعيطي وهو صاحب أعلى سلطة يدعوه لنقض العهد ويخيره يعطيه ما يشاء من مال وسلطة وهذه فرصة لا تعوض لدى الكثير لكن أبى هذا الرجل صاحب المبادىء والوفاء أن يهين كلمته وأن يغدر بمن وثق به

والذين وافقوا على الخروج بعد عهد القعيطي لهم بأنهم إن خرجوا من الدار سيضمن سلامتهم ، فاشترطوا أن يخرجوا بالشرف العسكري والمقصود به أسلحتهم وهذي قد حصلت في عدة مواقف بالتاريخ الحضرمي وفي الحروب بشكل عام وهذا يكون حين يطول الحصار ، ويستبسل الخصم فيوافق المحاصر على خروج من تحت الحصار مقابل ضمان سلامته حتى لا يفقد ضحايا آخرين بسبب استبسال خصمه الذي ليس لديه ما يخسره ، ولو أنه في موقع أقوى لأنه يحاصر خصمه ويرضى من تحت الحصار لتسلم روحه ، واختيار رجال الدولة الكثيرية المحاصرين لسالم أو يحيى بن علي جابر يدل على مكانته ونفوذه كزعيم لقبيلة آل علي جابر ، وكذلك معرفتهم بأمانته وتقديره للكلمة والعهد

وقد وقعت هذه الحادثة في زمن السلطان عوض بن عمر القعيطي مؤسس الدولة القعيطية والسلطان منصور بن غالب الكثيري بعد ٣ أعوام من وفاة والده السلطان غالب بن محسن المؤسس للسلطنة الكثيرية الثالثة أو الرابعة إذا تم اعتبار دولة عمر بن جعفر في شبام الثانية ودولة بن عيسى امبدر الثالثة ، وقد استولى السلطان غالب سابقا على الشحر ثم أراد ضم المكلا فخسرهما جميعا ، ولم تنتهي محاولات آل كثير في ضم الساحل بعد هذه الحادثة ففي عام ١٢٩٧ هجري أي بعد سبع سنوات استنجد بهم الكسادي أمير المكلا السابق القعيطي كما ذكر صلاح البكري مؤلف كتاب حضرموت السياسي وكانت وقعة التخم التي قتل فيها الأمير عمر بن عوض القعيطي بعد أن طلب منه والده البقاء في الشحر والدفاع بها لكن أبى إلا قتال خصومه قبل الوصول للمكلا وأرادوا بعد ذلك الاستيلاء على شحير لكن طالت المدة ولم يتمكنوا فعادوا للوادي

*ومما ينبغي الإشارة له بأن قبيلة آل علي جابر التي منها هي إحدى قبائل يافع التي سكنت حضرموت في القرن الثاني عشر هجري ، وتنتسب إلى علي بن جابر السعيدي الموسطي الذي سكن في خشامر بحضرموت وتوفى في عام ١١٦٧ هجري ، وقد أنجبت عدد من الشخصيات البارزة ومنهم الشيخ صالح بن عبد الحميد المعروف ب( صالح حبيب ) كان له موقف بطولي في الاستبسال أمام الحزب الاشتراكي وأذهلهم بشجاعة فائقة النظير ، ومنهم إمام الحرم المكي صاحب الصوت الشيخ علي بن عبدالله بن علي جابر رحمه الله وكفاها شرفا بهم جميعا وغيرهم وهذا الشيخ الشجاع صاحب المبادىء سالم بن يحيى أو علي بن يحيى الذي كانت كلمته أغلى عليه من جبل من ذهب فرحمه الله رحمة الله واسعة*

عن عبد الإله بن سعيد بن عيلي

Avatar

شاهد أيضاً

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر التاريخية التي انتصرت بها الدولة الكثيرية في حضرموت وظفار على البرتغاليين عام ٩٤٢ هجري

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *