الإثنين , أبريل 29 2024

الدوافع والأسباب المؤدية للإلحاد

 

الدوافع والأسباب المؤدية للإلحاد

▪️مقال للأستاذ عبدالحكيم الجابري

تتعدد الأسباب والدوافع المؤدية للالحاد أو التشكيك بالدين، منها التأثر بالشبهات التي تثار حول الدين، وأخرى لأسباب اجتماعية مثل الكبت ومخالطة قرناء السوء والتفكك الأسري وغيرها، ويظل العامل النفسي هو السبب الأبرز عند كثير ممن وقعوا في الالحاد، بما في ذلك كبار الملحدين في العالم من مختلف الاديان.

وعندما نقول ان للعامل النفسي النصيب الأكبر في إلحاد الملاحدة، انما نقصد بأن هؤلاء لم يعتمدوا الجانب العلمي في ذلك، وكانت العاطفة والمؤثرات الأخرى هي الدافع الرئيس لهم، ونعتمد في قولنا هذا على اعترافات وشهادات عدد من الملاحدة الكبار، ومن هؤلاء بول فيتز عالم النفس الأمريكي الشهير، الذي خاض تجربة الإلحاد لسنوات طويلة ومن ثم تراجع عن ذلك، وألف كتابا بعنوان (سيكلوجية الإلحاد)، ركّز فيه على الأسباب النفسية التي دفعته للإلحاد، مؤكدا أنها هي ذاتها الأسباب التي تدفع بقية الملحدين.

يقول فيتز في كتابه “سيكلوجية الإلحاد”: ان الأسباب التي جعلتني ملحدا ومتشككا عندما كان عمري 18 سنة الى 38 سنة، كانت أسبابا سطحية، وغير منطقية، وبلا نزاهة فكرية أو أخلاقية، وأنا مقتنع أن الأسباب نفسها هي الشائعة الآن بين المفكرين”، يعد ذلك اعترافا شجاعا من واحد من رموز الإلحاد في العصر الحديث، الى جانب انه شخصية علمية متخصصة في العلوم النفسية، مايجعل لكلامه مصداقية وقبول أكثر من أي كلام يأتي من شخص آخر.

في عام 2011 أجرت جمعية علم النفس الأمريكية دراسة لمعرفة الدوافع المؤدية بالملاحدة إلى إنكار وجود الله، وتوصلت إلى أن ما نسبتهم 44% من هؤلاء كانت دوافعهم عاطفية محضة، وأجرت الجمعية نفسها دراستين أخريين في عام 2016، ارتفعت نسبة الملاحدة الذين وقعوا في الإلحاد لأسباب ما عانوه في حياتهم من إحباطات، ومشاكل اجتماعية وحقوقية، فكانت في الدراسة الأولى 54%، لترتفع النسبة في الدراسة الثانية الى 72%.

تؤكد اعترافات عالم النفس الأمريكي فيتز وكذلك الدراسات التي أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية، ان الدوافع النفسية والعاطفية هي الأسباب الرئيسة في إلحاد هؤلاء الملاحدة، وهي بعيدة عن أي أسباب علمية أو منطقية، خاصة أنها كشفت أن الملاحدة الذين أجريت عليهم الدراسات، كانوا يشعرون بأنهم كانوا يستحقون معاملة أفضل من تلك التي وجدوها خلال فترات حياتهم، ومنها حالات الضغوط الاجتماعية والعنف الممارس عليهم من قبل الآباء وغير ذلك من حالات القمع الاجتماعي.

وتؤكد كل التجارب وحياة كثير من الملاحدة صحة القول بأن البعد النفسي هو الحاضر بقوة في قرار الإلحاد عند الغالبية الساحقة من الملحدين، وليس كما يحاول البعض القول أنه لأسباب علمية ومنطقية، وهي محاولة فاشلة منهم لاستخدام العلم لجعل فكرة إلحادهم مبررة.

هناك أيضا سبب آخر للالحاد وهو لا يبتعد عن الدافع النفسي، ويتعلق بالرغبة في التفلت من تبعات الايمان، اذ يفرض الإيمان أو التدين على معتنقه التزامات وواجبات عليه القيام بها، وعندما يحاول الشخص أن لا يلزم نفسه بتلك الواجبات فإنه يلجأ لقرار الإلحاد، على الرغم مما يحمله الإيمان من قيم سامية، وما يبنيه التدين في النفس من أخلاقيات إنسانية عظيمة، وحتى بالنظر لتجارب الملحدين خاصة كبارهم، سيجد الباحث أنهم لم يكونوا نماذج تستحق الاقتداء واقتفاء آثارها، بل كانوا نماذج مشوهة أخلاقيا وسلوكيا، ومن هؤلاء على سبيل المثال ارنست همنجواي الأديب الامريكي الشهير، فقد كان كذوبا ومحتقرا للنساء ومات منتحرا، الأديب البريطاني ديكنز فهو يشجع على العلاقات الشاذة والغريبة، بما في ذلك العلاقات الجنسية مع الحيوانات أو مع المحارم، وهناك العديد من الأمثلة سيطول بنا المقام في ذكرها.

وهكذا يتضح تماما ان الإلحاد سببه أولا التعبير عن ردة فعل نفسية، بعد تجارب مريرة مر بها الشخص في حياته تعرض فيها لأنواع من القمع أو الاضهاد الاجتماعي، وسبب آخر يتعلق بالرغبة في التخلص من التكاليف الدينية، وأن يحاول الشخص الوصول للارتياح الزائف، فيلجأ للكفر بالدين وانكار وجود الخالق، وكل ذلك لا يمت بصلة للعلم أو التجربة والبرهان بأي صلة، انما هي مسألة نفسية وعاطفية خالصة، هي نتاج للتعبير خاطئ عن رفض واقع أو للتأثر ببيئة سيئة كالعيش ومرافقة قرناء السوء.

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

حتى لا تخسر الجامعات والكليات كوادرها

    حتى لا تخسر الجامعات والكليات كوادرها   أن التطور الحاصل في مجال الوسائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *