السبت , أبريل 27 2024

لماذا حضرموت سياسيا وصلت إلى هذا الحال ؟

 

تشخيص الحالة السياسية الحضرمية

الناظر في الحالة الحضرمية هذه الأيام يجدها تعاني من ضياع البوصلة السياسية, وعدمِ وجود كتلة اجتماعيةٍ واسعةٍ موحدةٍ لها أتباعها ومؤيدوها, تطالب بالحقوق, وتفاوض الآخرين داخليا وخارجيا, وتقود المجتمع, ويكون لها كيان قائم مستقل.

 

والحق أنَّ هذه الحالة قديمةٌ لها أكثر من نصف قرن, لكنها كانت متدثرة بوجود الدولة القائمة, التي تحوي الجميع في بوتقة واحدة, فتعطي منظرا واحدا, ظاهرُه التساوي لا تضاريس فيه, فَمَا إِنْ زال هذا الدِّثار حتى تكشفت الحالة الحضرمية شيئا فشيا, ساعد على ذلك مُضِيُّ عِقْدٍ من الزمن من غير دولة قائمة في الحقيقة.

 

الأسباب:

هذه الحالة ليست نتاجَ هذا الجيل كما يظن ذو النظرة العابرة, بل هي امتدادٌ لأجيال سابقة وظروف مستمرة في جوهرها, منها:

 

1-حضرموت أُولى مناطق اليمن وأوسعها في الهجرة والاغتراب في القرون الثلاثة المنصرمة وما زالت إلى اليوم وإن كانت بقية مناطق اليمن شاركتها في هذا القرن الأخير, مما تسبب بنزيفٍ متواصل لكفاءاتها التي أبدعت في البلاد المهاجَر إليها.

 

فَلِكَوْنِهَا أقدم المناطق اغترابا واستيطانا في البلاد الأخرى, تقطعت كثير من العلائق الاجتماعية, وذابت الأواصر القوية, وبعضُ مَنْ رجع من غربته لم يندمجْ في المجتمع, وعاش حياته فرديا أو عائليا فقط.

واغتراب جماعات كبيرة من المجتمع الحضرمي أسرع بعجلة التحضر, وهذا التحضر له إيجابياته وسلبياته, ومن أظهر سلبياته تفكيكه للكتل الاجتماعية الكبرى, وتذويبه لعَصَبَةِ الجماعة التي عليها النهوض, وتعزيزه للفَرْدَانية التي تعيق العمل الجماعي الموحد.

وأدى الاغتراب إلى نشوء عدة أجيال خارج البلاد؛ مما جعل العلاقة ضعيفة بين أفراد المجتمع بسبب البعد وقلة الزيارات واختلاف اللهجة وتغاير الاهتمامات, حتى أنك تجد أبناء العمومة اللصيقة لا يعرفون بعضهم جيدا, وبعضهم لم يتلاقوا في حياتهم, وربما وجدتَ ثلاثة إخوة كل واحد له أسرة ويعيش في دولة أخرى.

 

2-فقدان حضرموت استقلالها وقيادة أهلها لها منذ قرن على وجه التدريج, مما أخرج أجيالا تجهل القيادة والإدارة السياسية, فضلا عن فقدان عَصَبَة الحكم واليد الواحدة المرتبطة بالقيادة, مما ترك آثارًا بالغة متعددة.

فقد كانت حضرموت مستقلة بذاتها, لها دولها القائمة, فمن أهلها الحكام والوزراء والقضاة والعلماء والجنود والتجار وغيرهم لا يشاركهم أحد في ذلك, فكانت الأجيال معتادة على الحكم والقيادة, وفي آخر العهود كانت السلطنتان القائمتان الكثيرية والقعيطية, فبدأ التداخل البريطاني شيئا فشيئا فوقعت السلطنة القعيطية معاهدة الحماية ثم تبعتها الكثيرية بعد ثلاثين سنة عام 1918م, وتبعت المعاهدةَ معاهداتٌ أخرى تسحب السلطة من السلاطين إلى المحتل حتى صارت السلطنتان صوريتين, وصولجان التدبير بيد المحتلين, ومضى على ذلك 50سنة, وهي مدة كافية لأن يخرج جيل لا يعرف كيفية التوحد السياسي والقيادة, وبعد نصف قرن تسلِّمُ بريطانيا حضرموت للدولة الجنوبية من غير استشارة لأهلها بعد وعود ومماطلات بالاستقلال ذهبت أدراج الرياح, لتفقد حضرموت استقلالها الفعلي والصوري, ويصبح الأمر بيد الغير, ثم يمضي ربع قرن تقريبا وهي تابعة للدولة الجنوبية, ثم يتبعها ثلث قرن وهي تابعة لدولة الوحدة الشمالية إلى الآن مع أن دولة الوحدة سقطت في موطنها ورحل مؤسسوها.

وهاتان الدولتان الجنوبية والشمالية منعت أهالي حضرموت من المناصب القيادية الكبرى ومن الوظائف العسكرية لأهدافهم المعلومة, إلا من كان تابعا لمشاريعهما.

 

توضيح:

هذا الكلام السابق لا يعني اليأس من عودة حضرموت إلى الواجهة, ولا أنَّ غيابَها ضربةُ لازِبٍ لا قيامَ لها بعده, إنما هو تشخيصٌ للحالة لِمَنْ يريد الإصلاح, ويوجد من مقومات النهوض ما يكفي, كما سيأتي في المقالات القادمة.

 

الوضع الحالي:

مع أننا لا ننكر وجودَ دعواتٍ قديمة وحديثة للنهوض بحضرموت وكسر التبعية والرتابة في الوضع, بعضُها وَصَلَ للمحاولة المسلحة, ولا ننكر وجود رغبة عامة لأهلها في استعادة حقهم في القيادة, لكنها بقيت أمنيات لا تتجاوز الأوراق والمؤتمرات والمجالس في غالب الأحيان, لم تخرج إلى مشروع عملي متكامل.

 

إن حالة الغياب السياسي التدريجي لأهل حضرموت منذ قرن, لن تنتهي بين عشية وضحاها, بل تحتاج وقتا للوعي بالموضوع ثم السعي له, وهو وإن كان متباطئًا فقد تُعَجِّل به الأزمات والصدمات المتتابعة, فكما ذهب الاستقلال تدريجيا يعود تدريجيا.

 

وفي هذا العقد الأخير مع تفكك الدولة القائمة وانهيارها, وبروز الانتماءات المناطقية, وتعدد المشاريع السياسية, بدأ الوعي يزداد باستقلال حضرموت إقليمًا أو دولةً, وأصبحت تنقشع غمامة الغياب السياسي شيئا ما, لكن هذا الوعي والإرادة ما يزال في بداياته ولم يصلْ حتى الآن إلى تحرك شامل للنهوض, لكنها فرصة ذهبية ما زالت قائمة.

 

وقد زاد من وتيرة الوعي انكشافُ المشاريع الطامعة في حضرموت, من حوثية وشمالية وجنوبية, والتي تريد إبقاء حالة التبعية السابقة ومنع استقلالاها, ولن تقدم شيئا لها في المستقبل كما لم تقدم لها شيئا في الماضي.

✍يوسف بن سند

الثلاثاء ٢١ / ٨ / ١٤٤١هـ

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

لا فرق بين أطماع الجنوبيين والشماليين في حضرموت

    لا فرق بين أطماع الجنوبيين والشماليين في حضرموت نشر موقع شبوة برس وهو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *