الإثنين , أبريل 29 2024

شيخ قبلي حضرمي مستعد يذبح الإنجليز أبناءه ولا يخضع لهم !

 

( مواقف بطولية لرجال من حضرموت ٢ )
صوت حضرموت
عبدالإله بن عيلي
السبت 28 / 3 /2020 م

من المواقف البطولية الحضرمية التي حفظتها بطون الكتب وتناقلتها الرجال ويجب على الأجيال معرفتها عن أسلافهم للاقتداء بهم ما ذكره مؤلف كتاب إدام القوت ابن عبيدالله السقاف في ( ص ٦٠٩ ) عن شيخ قبلي شجاع وكان صاحب دين وخلق وإباء وهو الشيخ عبدالله بن عوض بن علي بن عمر بن عبدات الكثيري ، وقصة هذا الموقف تتجسد في أن الدولة الكثيرية الأخيرة بعد الحصار الاقتصادي من قبل الإنجليز لإخضاعهم بسبب عدم وجود مناطق لهم على ساحل البحر وكان في ذلك الوقت بيد الدولة القعيطية الحليفة للإنجليز ، وكان أغلب تجار الدولة الكثيرية لديهم ممتلكات في مناطق تتبع النفوذ الإنجليزي مثل الشرق الآسيوي وكذلك منهم من لديه ممتلكات في سنغافورة وكذلك عدن وهذا جعل بعض التجار وكثير ممن لهم انتقال من وإلى الشرق الآسيوي من تجار الدولة الكثيرية في وضع لا يحسدوا عليه ، ومما ينبغي الإشارة إليه بأن هذي الفترة كانت فترة رخاء نسبي للدولة الكثيرية لطول فترة حكم السلطان منصور بن غالب وكانت تقريبا حكمه ٦٠ عام بخلاف عهد والده المؤسس السلطان غالب بن محسن فكانت فترة حروب التأسيس التي كانت أيضا كذلك بالنسبة لجارتها ومنافستها الدولة القعيطية

وهذا الاستقرار شهد معه ظهور عدد من التجار الكبار من الشرق الآسيوي وغيرها من بلاد المهجر منهم أبو بكر الكاف صاحب الثروة والنفوذ وصالح بن عبيد بن عبدات مؤسس إمارة الغرفة ومن قادة حركة الإرشاد في جاوة ومن أثرياء تلك المرحلة أيضا سالم بن محمد بن يماني وكان دخله الشهري من عقاراته في سنغافورة ومصر وجاوة يتجاوز 60 ألف ريال بتلك العملة ذات القيمة ، وكل هؤلاء كان لهم دور اجتماعي وغيرهم كثير

كان الحصار الاقتصادي وسيلة ضغط إنجليزية، وقد تبعه استعداد للحرب بين الدولة الكثيرية والقعيطية لرفض كثير من شيوخ آل كثير وأعيان الدولة الخضوع، وحصلت مناوشات لكن بسبب الحصار الاقتصادي وافقت الدولة الكثيرية بعد ذلك على توقيع المعاهدة مع القعيطي برعاية الإنجليز في عام (1336هـ) الموافق عام (1918م)

والتي تضمنت قبول الدولة الكثيرية لشروط معاهدة الحماية الإنجليزية للقعيطي في عام ( 1888 م ) وأن تكون لهم نفس المعاهدة أيضا وأن تكون رابطة لهم وأن لا يتواصلوا مع الإنجليز إلا عبر الدولة القعيطية .

وللعلم فإن أول اتفاقية للقعيطي مع الإنجليز في عام ( 1878 م ) الموافق لعام ( 1295 هجري ) وهي معاهدة صداقة بواسطة الإنجليزي سندر كما ذكر مؤلف كتاب إدام القوت.

كانت الأجواء داخل أروقة الدولة الكثيرية مشحونة، فالحرب العالمية الأولى على نهايتها، والنقاشات السياسية محتدمة قبل توقيع الاتفاقية المذكورة لدراسة أقرب الخيارات ، وقد كان لابن عبيدالله السقاف مبادرة بطلب التبعية للدولة العثمانية من قبل أعيان وشيوخ آل كثير وغيرهم ممن هم من أعيان القبائل التابعة للدولة لقطع الطريق على الإنجليز وحليفهم لكن الدولة العثمانية كانت في نهاية زمانها؛ وكانت علاقة الدولة الكثيرية الأولى بالعثمانيين أكثر من رائعة أي قبل ٣٥٠ عام من هذا الوقت في زمن السلطان بدر بو طويرق هازم البرتغاليين والذي أرسل لسليمان القانوني خمسة وثلاثين من الأسرى البرتغاليين مع هدايا وبعض ما غنمه من قراصنة البرتغال وقد كأفا القانوني بو طويرق بفرمان يؤكد اعترافه به حاكما على ما يملكه من بلاد وكان يحكم من ظفار إلى أحور بأبين ولم تكن حضرموت فيها تدخل مباشر من العثمانيين كغيرها من المناطق لذلك كانت سمعة الدولة العثمانية بأحسن ما يكون خصوصا أنها الدولة الإسلامية الأعظم في زمانها، ولذلك وقع عليها عدد كبير من شيوخ آل كثير والقبائل المنضوية تحت الدولة الكثيرية

وقد ذكر ابن عبيد الله موقف الشيخ عبدالله بن عوض بن عبدات البطولي : ( وكان ممّن أمضى على الوثيقة الّتي تتضمّن اعتراف الموقّعين عليها بالتّبعيّة للدّولة العثمانيّة الآتي خبرها في سيئون ، وإنّما ذكرته بالخصوص مع أنّ الموقّعين عليها كثير ؛ لأنّ كلّهم لم يمض عليها إلّا رغبة ، وأمّا هو فقد أمضى عليها بدافع الدّين ؛ وذلك أنّني اجتمعت به في غرض ، فسألني عنها ـ بعد ما غضبت منها الحكومة الإنكليزيّة فطلبها ليمضي عليها ـ فقلت له : ربّما يلومك عمر عبيد بن خالد بن عمر ، أو حفيدك عوض بن عزّان بن عبد الله عوض ، أو تنال أولادك مشقّة من الإنجليز بسنغافورة أو عدن. فأخذه زمع (رعدة من شدة الغضب) وقال : أوفي دين الله وسلطان المسلمين الّذي ندعو له على المنابر محاباة أو وليجة؟ والله لو أنّ الإنجليز تذبح أولادي أمامي .. ما انحجزت عن التّوقيع عليها ، فأمضى عليها ، وبعثنا بنسختها إلى قائد الجيوش العثمانيّة بلحج علي سعيد باشا ، فلم تصله إلّا بعد إعلان الهدنة
فانظر لشجاعة هذا الشيخ القبيلي الحضرمي الأصيل الذي قدم دينه ومبادئه حتى لو على أبناءه وماله ولوم أقرب الناس له، وسعيه بأن لا يخضعوا للإنجليز وأن لا يذل المسلمين حتى لو على ذبح أبناءه أمامه! ومما ينبغي الإشارة إليه أنه لا يعاب على الآخرين ممن ذكر السقاف أنهم وقعوا رغبة وليس بدافع الدين فقط أي لأجل مصالح الدولة فهذه نظرة مستمدة من الشرع والعقل والمبادرة هذي أي طلب التبعية للعثمانيين هي مبادرة بشرية فلا لوم على من درسها من جميع النواحي للمصلحة العامة التي لا تتضاد مع الشرع ثم وقع عليها لكن يشدنا الموقف البطولي للشيخ عبدالله بن عوض بن علي بن عمر بن عبدات الكثيري الذي أعلن استعداده للتضحية بما يملك أي إنسان لأجل دينه!

وقد توفي هذا الشيخ الشجاع غفر الله له ورحمه بعد فترة بسيطة من الاتفاقية في عام (1342 هجري )، وعمره قريب من مئة عام !

عن عبد الإله بن سعيد بن عيلي

Avatar

شاهد أيضاً

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر التاريخية التي انتصرت بها الدولة الكثيرية في حضرموت وظفار على البرتغاليين عام ٩٤٢ هجري

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *